لعبت السوشيال دوراً فى تصعيد أعمال بعينها وتجاهل غيرها، والشرنقة واحد من الأعمال اللى بُذل فيها جهد إخراجى وتمثيلى بمزاج لتجسيد فكرة إزدواج الشخصية. فليس حازم بطل المسلسل سوى انعكاس لمّا يدور فى النفس البشرية من أحلام وكوابيس وأمنيات، الكل يعيش الحالة الشعرية التى كتبها صلاح جاهين (مرغم عليك يا صبح ..مغصوب ياليل) دافناً كل الرغبات في مكان بعيد ممنوع الإقتراب منه أو فتحه، حتى لا يخرج ذلك المارد الساكن فينّا. لكن الفارق أن حازم أو الممثل أحمد داود وجد مخرجاً لتفريغ كل الطاقات والرغبات؛ فالموظف الشاب الكادح يجد فرصة للاتحاق بمكتب محسن مرجان صاحب الشهرة الواسعة كخبير ضرائب يلجأ إليه مليارديرات البلد لتسوية أوضاعهم. وحازم قطعة لؤلؤ برقت أمام محسن مرجان فقرر استغلال مهاراته، وهنا يجد حازم نفسه جالساً بجوار حليف الشيطان! ومن يستطيع لعب هذا الدور سوى فنان بإمكانيات صبرى فواز! شخصية محسن مرجان التي تظهر قليلا وتترك أثرها طويلا؛ كانت تحتاج وعيا كبيراً بتركيب نفسي من هذا النوع الذي يحك الأرض بقدم عرجاء تثير غبارها على من حولها. وإن وقع في فخ انكسرت عيناه انكسار الضعيف، وإن قرر السيطرة تحول إلى أفعى تلدغ وتبحلق في عينيّ الضحية. ها هو محسن مرجان يفتح أول طاقة للرغبات المكبوتة في نفس ضحيته، وضعه على أول طريق الانحراف اللذيذ. نعم نجح محسن مرجان أن يجعل في الانحراف لذة يستطعمها حازم مع أول مبالغ ضخمة تلاعب خيال الموظف الشاب.
أدرك حليف الشيطان أن فريسته مستعداً تماما لفتح صندوق الأسرار الداخلية فقرر أن يستغل كل نقاط الضعف بلذة ظل يستطعمها حازم حتى تحول تماماً إلى نسخة شيطانية تنفي النسخة الطيبة الساذجة وتحقق رغبات النفس المكبوتة في الاستحواذ على المال والنفوذ والقوة. ها هو نفس الشخص الذي يراه الناس هادئاً يصبح زعيماً لعصابة وعضوا في مافيا.
محسن مرجان ارتضى لنفسه دور حليف الشيطان، فهو ليس شيطاناً، هو فقط وضع حازم على الطريق وتركه يختار، وكان يعرف أن فريسته سيختار الانحراف حتى نهايته. حليف الشيطان هنا ليس آل باتشينو في الفيلم الشهير، لكنه أقرب إلى تحولات دكتور جيكل ومستر هايد في رواية الكاتب الإنجليزى لويس استيفنسون المكتوبة في الأربعينات. ففي لحظة قرر الدكتور جيكل العمل على دواء كيميائي يحوله إلى مجرم دميم! ليجد نفسه أمام أخطبوط بشرى بالفعل بعد أن تنجح التجربة ويصبح (هايد) مجرماً لا يقوى عليه حتى دكتور جيكيل الذي صنعه من هواه ومن جنونه.
ستلعب (دنيا) التي سيقابلها حازم في عالم كبار المتهربين من الضرائب دوراً كبيراً في الحفاظ على الشخصية الجديدة. هي صيدلانية بارعة عاشت طفولة بائسة في لبنان وتجارب أكثر بؤساً في مراهقتها وها هي تصنع لنفسها منطقها الخاص بعد أن قدمت قلبها وجسدها ولم تجد حباً. فقررت أن تمنح جسدها وتأخذ الثمن! ولن تمانع في اصطحاب (أنور) صبي المعلم إلى السرير حتى تصل إلى المعلم نفسه وتسيطر عليه بجمالها وأنوثتها.
المخرج محمود عبد التواب سيبذل جهداً كبيرا في الحلقات الأولى ليصل بفكرته إلى المشاهد. سيغامر بتقديم الشخصيات في مشاهد غير مرتبه ترتيبا كلاسيكيا ليعكس اضطراب البطل نفسيا. وسيعيد ترتيب الشخصيات عندما يقرر الكشف عن سر اللعبة، فهي ليست شيزوفيرينا تجعل الشخص منقسما بين شخصيتين متناقضتين، وليست أعراض طبيعية لمخدر يسرق العقل. وكان من الممكن أن يستكمل الدراما النفسية بمباراة التمثيل التي دخلها أحمد داود لأول مرة في مواجهة صبرى فواز، وانضمت إليهما مريم الخشت التي فاجأتنى بحضور مذهل. فهي الزوجة المتدينة التي تقع في هذا المأزق، فهل تسمح للثراء الزائد عن الحد أن يستحوذ على تفكيرها وتتنازل عن فكرة الحلال والحرام؟!
أقول إن المخرج محمود عبد التواب مع السيناريست عمر سمير عاطف كان بإمكانهما الدخول إلى العالم النفسي فقط مع هذه القدرات التمثيلية؛ لكن الدراما التليفزيونية تجبرك على تبرير كل تصرفات البطل، وبالتالي ستدخل المخدرات وعالمها الواسع وبمعلومات طبية عن كيفية تخليق وتوليد أنواع متعددة من المخدرات وكيفية دخولها إلى مصر. وسيظهر الظابط عمر عياد الذي جسد شخصيته الفنان على الطيب، وستظهر شخصية دينا التي لعبتها سارة آبى كنعان ومعهما عالم مواز من متهربي الضرائب وتجار السلاح والمخدرات. وسيقدم الفنان أيمن الشيوى دوراً جديداً عليه ليؤكد مجدداً أنه ابن المسرح، وما أدراك ما أبناء المسرح عندما يتقمصون الشخصيات التي سيلعبونها. فظهر الشيوى كوحش كاسر يقود كل هؤلاء في عالم المخدرات والمافيا وبجواره (أنور) أو الفنان محمد عبده الذي أجاد تقديم شخصية صاحب الكباريه الفاشل الذي دخل عالما أكبر منه.
في ظني أن هذا المسلسل يستحق المشاهدة بعد زحام الدراما وهيصة السوشيال. وفي ظني أن تحويله إلى فيلم سينمائي سيكون أكثر جمالاً في تقديم شخصية حليف الشيطان الذي يستغل الضعف الإنساني والرغبات المكبوتة.
اقراء أيضا
