ريم صالح
من بين أكثر الأفلام المنتظرة في الدورة الحالية من مهرجان كان السينمائي، يبرز فيلم “كان يا ما كان في غزة” (Once Upon a Time in Gaza) للمخرجين التوأم عرب وطرزان ناصر، كواحد من الأعمال التي لفتت الأنظار في مسابقة “نظرة ما” (Un Certain Regard) لهذا العام. الفيلم لا يقدّم فقط تجربة فنية جديدة من قلب فلسطين، بل ينقل واقع غزة إلى أحد أهم محافل السينما العالمية.
تدور أحداث الفيلم في عام 2007، وهي لحظة مفصلية في تاريخ القطاع، حيث يسرد حكاية الشاب يحيى، الطالب الغزيّ الذي يعيش في منطقة تفتقر إلى الأمل وتغصّ بالصراعات اليومية. بعد مقتل صديقه المقرّب أسامة، صاحب مطعم فلافل يتحول تدريجياً إلى واجهة لتجارة المخدرات، تبدأ رحلة يحيى في البحث عن العدالة والنجاة، وسط واقع مضطرب تتداخل فيه السلطة بالعنف، والحلم بالخذلان.
لكن التحوّل الكبير في حياة يحيى لا يأتي من الانتقام أو الانخراط في المواجهة، بل من الفن؛ إذ يجد نفسه مؤديًا لدور مقاوم في مسلسل تلفزيوني محلي. هذا التقاطع بين التمثيل والواقع يخلق لحظة تأمل نادرة في الفيلم، حيث تنقلب الأدوار، ويصبح السؤال الأهم: هل يمكن للتمثيل أن يكون شكلاً من أشكال المقاومة؟ وهل يصنع الفن مهربًا حقيقياً من الجحيم اليومي؟
بعيدًا عن الخطابات السياسية المباشرة، يقدم الفيلم رؤية إنسانية حادة وواقعية عن غزة، حيث لا مجال للتبسيط، ولا للمثالية. هنا، كل شيء معقّد: الحب، الموت، العائلة، الطموح، وحتى الفلافل ليست كما تبدو. يعكس الفيلم، الذي يؤدي بطولته الممثل الفلسطيني نادر عبد الحي، طبيعة الحياة اليومية تحت الاحتلال، حيث يتحول كل تفصيل صغير إلى معركة بحد ذاته.
اختيار مهرجان كان لهذا العمل لا يعكس فقط قيمته الفنية، بل يؤكد على حاجة العالم لرؤية غزة كما لم يرها من قبل؛ مدينة ممتلئة بالبشر، لا بالشعارات فقط، تعاني، تحب، وتقاوم بصمت. ويقول الأخوان ناصر إن هدفهما هو كسر الصورة النمطية عن الفلسطيني الذي يُرى إما ضحية أو مقاتلاً، وتقديمه كإنسان بكل تعقيداته اليومية.
من خلال “كان يا ما كان في غزة”، يبدو أن السينما الفلسطينية تتقدّم خطوة جديدة نحو العالم، ليس عبر سردية الحرب وحدها، بل بسردية الإنسان وهي الأكثر تأثيرا. إنها دعوة للإنصات إلى صوت آخر من غزة… صوت لا يحمل بندقية، بل كاميرا لعرض القضية.
اقرا أيضا:
عن “كان” واللي متقالش