• Privacy Policy
  • about us
  • contact us
الخميس, يونيو 19, 2025
  • Login
فودكا - مزاج القراءة
  • الرئيسية
  • سيرة الكتب
  • باتيناج
  • ترجمان الأشواق
  • خمارة القط الأسود
  • كأس
  • فودكا
No Result
View All Result
  • الرئيسية
  • سيرة الكتب
  • باتيناج
  • ترجمان الأشواق
  • خمارة القط الأسود
  • كأس
  • فودكا
No Result
View All Result
فودكا - مزاج القراءة
No Result
View All Result

آمهات الأنبياء فى كتابات بنت الشاطىء

Ashraf Abdel Shafy by Ashraf Abdel Shafy
مارس 21, 2025
in سيرة الكتب
0
0

وعند الحديث عن الرحم الذى حمل النبوة .. تقشعر الأبدان وتفيض المحبة وتتكشف الأسرار التى وضعها الرحمن فى أرحامهن .. رضى الله عنهن وأرضاهن وظللهن بظلال من ريح محبتهن ومحبتنا لهن ولأولادهن الصالحين الطاهرات عليهن السلام .

 

وتلك مقتطفات عنهن من كتاب (أم النبى )للدكتورة بنت الشاطئ رحمها الله رحمة واسعة

 

أم النبى

أمنة بنت وهب ..هذه الشخصية العظيمة والأم الجليلة التى يمكن تلمس ملامحها من خلال صورة ابنها العظيم الذي حملته أحشاؤها، وغذاه دمها، واتصلت حياته بحياتها، كان محمد (صلى الله عليه وسلم)هو الأثر الجليل الذي تركته السيدة “آمنة بنت وهب”.

تفتحت عيناها في البيت العتيق في مكة المكرمة ،في المكان الذي يسعى إليه الناس من كل فج، ملبية نداء إبراهيم ” الخليل” -عليه الصلاة والسلام – في الناس بالحج، وفي ذلك المكان الطاهر المقدس وضعت السيدة ” آمنة بنت وهب ” سيد الخلق ” محمداً ” في دار ” عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم”
“آمنة بنت وهب ” من أسرة ” آل زهرة ” ذات الشأن العظيم، فقد كان أبوها ” وهب بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي” سيد بني زهرة شرفا وحسبا ، فكانت تعرف ” بزهرة قريش” فهي بنت بني زهرة نسبا وشرفا،ولم يكن ” عبد الله” بين الذين تقدموا لخطبة ” زهرة قريش” مع أنه جدير بأن يحظى بها، لما له من رفعة وسمعة وشرف، فهو ابن ” عبد المطلب بن هاشم” وأمه” فاطمة بنت عمرو بن عائذ المخزومية” وجدة ” عبد الله” لأبيه ” سلمى بنت عمرو”. ولكن السبب الذي يمنع ” عبد الله ” من التقدم إلى ” آمنة” هو نذر أبيه بنحر أحد بنيه لله عند الكعبة. حيث إن عبد المطلب حين اشتغل بحفر البئر، وليس له من الولد سوى ابنه ” الحارث” ، فأخذت قريش تذله، فنذر يومها، إذا ولد له عشرة من الأبناء سوف ينحر أحدهم عند الكعبة. فأنعم الله على ” عبد المطلب” بعشرة أولاد وكان ” عبد الله” أصغرهم.وخفق قلب كل شخص وهو ينتظر اللحظة ليسمع اسم الذبيح، وبقيت “آمنة”، لا تستطيع أن تترك بيت أبيها، ولكنها تترقب الأنباء في لهفة، وقد اختير ” عبد الله ” ليكون ذبيحا، ومن ثم ضرب صاحب القدح فخرج السهم على ” عبدا لله” أيضا فبكت النساء، ولم يستطع “عبدا لمطلب” الوفاء بنذره؛ لأن عبد الله أحب أولاده إليه، إلى أن أشار عليهم شخص وافد من ” خيبر” بأن يقربوا عشراً من الإبل ثم يضربوا القداح فإذا أصابه ، فزيدوا من الإبل حتى يرضى ربكم، فذا خرجت على الإبل فانحروها، فقد رضي ربكم ونجا صاحبكم، وظلوا على هذه الحالة ينحرون عشرًا ثم يضربون القداح حتى كانت العاشرة، بعد أن ذبحوا مئة من الإبل.

جاء “وهب” ليخبر ابنته عن طلب ” عبد المطلب” بتزويج “آمنة ” بابنه “عبد الله” فغمر الخبر مفرح نفس “آمنة” ، وبدأت سيدات آل زهرة تتوافد الواحدة تلو الأخرى لتبارك ” لآمنة”. وكذلك قيل بأن الفتيات كن يعترضن طريق ” عبد الله”؛ لأنه اشتهر بالوسامة، فكان أجمل الشباب وأكثرهم سحرا، حتى إنَّ أكثر من واحدة خطبته لنفسها مباشرة. وأطالت “آمنة” التفكير في فتاها الذي لم يكد يفتدى من الذبح حتى هرع إليها طالباًً يدها، زاهدا في كل أنثى سواها، غير مهتم إلى ما سمع من دواعي الإغراء! واستغرقت الأفراح ثلاثة أيام ، ولكن عيناها ملأتها الدموع؛ لأنها سوف تفارق البيت الذي ترعرعت فيها، وأدرك “عبد الله” بما تشعر به، وقادها إلى رحبة الدار الواسعة. وذكر بأن البيت لم يكن كبيرا ضخم البناء، لكنه مريح لعروسين ليبدآ حياتهما.

بعد زواج ” عبد الله ” من ” آمنة” أعرضن عنه كثير من النساء اللواتي كنَّ يخطبنه علانية ، فكانت ” بنت نوفل بن أسد” من بين النساء اللواتي عرضن عن ” عبد الله” ، فسأل عبد الله واحدة منهن عن سبب إعراضها عنه فقالت :” فارقك النور الذي كان معك بالأمس، فليس لي بك اليوم حاجة” .
أدهش هذا الكلام ” عبد الله وآمنة” وراحا يفكران في القول الذي قالته تلك المرأة؟ ولم تكف “آمنة ” عن التفكير والرؤيا عنها وسبب انشغال آمنة في التفكير يرجع إلى أن هذه المرأة أخت ” ورقة بن نوفل” الذي بشر بأنه سوف يكون في هذه الأمة نبي … وبقي ” عبد الله” مع عروسه أياما ، وقيل إن المدة لم تتجاوز عشرة أيام؛ لأنه يجب عليه أن يلحق بالقافلة التجارية المسافرة إلى غزة والشام.

انطلق” عبد الله ” بسرعة قبل أن يتراجع عن قراره، ويستسلم لعواطفه، ومرت الأيام و”آمنة “تشعر بلوعة الفراق ، ولهفة والحنين إلى رؤيته، حتى إنها فضلت العزلة والاستسلام لذكرياتها مع ” عبد الله” بدلا من أن تكون مع أهلها. ومرت الأيام شعرت خلالها ” آمنة” ببوادر الحمل، وكان شعورا خفيفا لطيفا ولم تشعر فيه بأية مشقة حتى وضعته. وفي هذه الأيام كانت تراودها شكوك في سبب تأخير” عبد الله” فكانت تواسي نفسها باختلاقها الحجج والأسباب لتأخيره.
وجاءت ” بركة أم أيمن” إلى “آمنة” فكانت لا تستطيع أن تخبرها بالخبر الفاجع، الذي يحطم القلب عند سماعه فكانت تخفيه في صدرها كي لا تعرفه”آمنة” ، ومن ثم أتاها أبوها ليخبرها أن ” عبد الله” قد أصيب بوعكة بسيطة، وهو الآن عند أخواله بيثرب، ولم تجد هذه المرأة العظيمة سوى التضرع والخشية وطلب الدعاء من الخالق البارئ لعله يرجع لها الغائب الذي تعبت عيناها وهي تنتظره، وفي لحظات نومها كان تراودها أجمل وأروع الأحلام والرؤى عن الجنين الذي في أحشائها، وتسمع كأن أحداً يبشرها بنبوءة وخبر عظيم لهذا الجنين.
وجاء الخبر المفزع من ” الحارث بن عبد المطلب ” ليخبر الجميع بأن ” عبد الله ” قد مات

نُصحت آمنةُ بنت وهبٍ بالصبر على مصابها الجلل، الذي لم يكن ليصدق عندهاً حتى إنها كانت ترفض العزاء في زوجها، ولبثت مكة وأهلها حوالي شهراً أو أكثر وهي تترقب ماذا سوف يحدث بهذه العروس الأرملة التي استسلمت لأحزانها. وطال بها التفكير بزوجها الغالي عليها ، حتى إنها توصلت للسر العظيم الذي يختفي وراء هذا الجنين اليتيم، فكانت تعلل السبب فتقول أن ” عبد الله” لم يفتد من الذبح عبثا! لقد أمهله الله حتى يودعني هذا الجنين الذي تحسه يتقلب في أحشائها. والذي من أجله يجب عليها أن تعيش.وبذلك أنزل الله عز وجل الطمأنينة والسكينة في نفس ” آمنة”، وأخذت تفكر بالجنين الذي وهبها الله عز وجل لحكمة بديعة، ” ألم يجدك يتيما فآوى” ( الضحى 6). فوجدت ” آمنة” في هذا الجنين مواساة لها عن وفاة زوجها ، ووجدت فيه من يخفف عنها أحزانها العميقة. فرح أهل مكة بخبر حمل ” آمنة” .. وتتكرر الرؤى عند “آمنة” وسمعت كأن أحد يقولها ” أعيذه بالواحد، من شر كل حاسد، ثم تسميه محمدا”.
وجاءها المخاض فكانت وحيدة ليس معها أحد ولكنها شعرت بنور يغمرها من كل جانب، وخيل لها أن ” مريم ابنة عمران”، “وآسية امرأة فرعون”، و ” هاجر أم إسماعيل” كلهن بجانبها ، فأحست بالنور الذي انبثق منها ، ومن ثم وضعت وليدها كما تضع كل أنثى من البشر، وهكذا كان فقد :

ولد الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسم وثناء

الروح والملأ الملائك حوله للدين والدنيا به بشراء

أم إسماعيل

“ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ “   (قرآن كريم)

(التوراة) تروى لنا قصة “هاجر أم إسماعيل” في تفصيل مسهب ، و(القرآن) يشير إليها في مواضع شتى مُركزا على مواضع العبرة: لقد أراد الله أن يؤثر هذه الأم برعاية “إسماعيل” الوليد وإنقاذه من الهلاك ، فتركه لها وحدها في واد فقر غير ذى زرع، كي تكون لهفتها في سبيل نجاته ، حديث التاريخ وعبرة الدهر ، وصورة تخلد فيها الأمومة وتتقدس آلامها إلى حيث تغدو عبادة ودنيا!

ومن “هاجر” ؟

أمة مصرية ضعيفة لا حول لها ولا طول، جاءت بها “السيدة سارة: امرأة إبراهيم” إلى أرض كنعان ، بعد رحلتها المشهورة إلى مصر في صحبة زوجها، عندما خرج من بلاده مهاجرا بدينه كافرا بقومه وبما يعبدون من دون الله .

وكانت السيدة “سارة” عاقرا، وقد طال عليها الأمد وهى عاجزة عن أن تعطى زوجها ولدا ، ثم… بدا لها أن تهب زوجها تلك الجارية المصرية، لعله يسكن إلى إحدى الراحتين!

وحملت “هاجر” فهاج ذلك في سيدتها أقسى ما في حواء من غيرة، وخيل إليها أن أمتها صارت تنظر إليها نظرة فيها مباهاة ورثاء مُذل، فأقبلت على زوجها عاتبة شاكية تقول:

-أنا دفعت إليك جاريتي، فلما حملت ترفعت عليّ!

فرد عليها ملاطفا:

-هى جاريتك، تصنعين بها ما تشائين!

لكن “سارة” لم تشأن أن تصنع شيئا قبل أن تبذل محاولتها الأخيرة في احتمال الموقف ، حتى إذا وضعت “هاجر” وليدها ، نفد صبر السيدة وغلب احتمالها، فأقسمت ألا يؤويها وجاريتها سقف .

ثم مازالت بزوجها حتى انطلق ذات يوم ميمما شطر الجنوب، تتبعه “هاجر” وبين ذراعيها وليدها “إسماعيل” .

وانتهى بهم المسير عند “مكة” وهى حينذاك مقفرة خلاء، لا يكاد يلم بها سوى نفر من الرحل ، وقوم من العماليق كانوا يعيشون خارجها وتنقلون من حين إلى حين، التماسا لماء أو انتجاعا لمرعى.

وعند ربوة حمراء كانت قائمة هناك حيث بقايا البيت العتيق، ترك إبراهيم “هاجر” وولدها ، وترك لها جراب تمر وسقاء ماء، وأمراه أن تتخذ لها عريشا، ثم هَّم بالرجوع من حيث جاء.. فارتاعت “هاجر” من وحشة البرية، وتضرعت إلى سيدها “إبراهيم” ألا يدعها وولدهما في ذاك القفر المرهوب، لكنه أشاح بوجهه عنها لا يلتفت ولا يجيب ، كأنما كان يخشى أن تخونه عاطفته رحمة بابنه الوحيد ، الذى نبذه وأمّه بالعراق.

وأعادت “هاجر” سؤالها:

“أين تذهب وتتركنا بهذا الوادى الذى ليس فيه انس ولا شئ؟” وهو منصرف عنها منطلق في سبيله لا يلوي على شئ ، حتى إذا كاد يتوارى خلف منعرج الوادي ، سمع صوتها الضارع يسأله في لهفة:

-آلله أمرك بهذا؟

أجاب دون أن يلتفت:

-أجل

فقالت “هاجر” في استسلام خاشع:

-إذن فالله لا يضعينا..

وأطرقت صامتة، فلم تر “إبراهيم” وقد رفع وجهه إلى السماء حين غيبته ثنية الوادي ، وابتهل إلى الله في توسل:

“ربنا أني أسكنت من ذريتى بوادي غير ذي زرع عند بيتك المحرم، ربنا ليقيموا الصلاة، فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم ، وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون، ربنا إنك تعلم ما نُخفي وما نُعلن ، وما يخفى على الله من شئ في الأرض ولا في السماء”.

ثم استأنف مسيره عائدا إلى زوجه “السيدة سارة”.

وأقبلت “هاجر” على ولدها تستمد منه الأنس والعزاء ، وكادت تنسى به محنة الرق ومأساة الهجر ، وقد شغلت بالنظر إلى وجهه اللطيف الحبيب، فلم تشعر أول الأمر بوحدتها الرهيبة في البرية المقفرة ، ولم تدرك حق الإدراك قسوة موقفها في الوادي الأجرد ، بين الجبال الصخرية السود. حتى نفدت مئونتها الضئيلة ، وبدأ الظمأ يناوش الصغير الغالى ، فهبت مذعورة تبحث له عن قطرة ماء…

وحين أعياها أن تجد هذه القطرة ، بدا لها أن تصعد إلى عل ، فنظرت أى الجبال أدنى من الأرض ، فإذا “الصفا” قريب منها ، فقامت عليه ثم استقبلت الوادى تنظر: هل ترى أحدا؟ وتسمعت : هل تؤنس صوتا؟ فلما لم تجد إلا الوحشة والصمت، أتت “المروة” مهرولة تسعى سعى المجهد ، وصعدت علها ترى أثرا من حياة، ولا أثر!

وظلت هكذا تسعى مهرولة بين “الصفا” و”المروة” شوطا بعد شوط ، حتى نال منها التعب والإعياء .. فتهاوت على الرمال إلى جانب ولدها تنتظر المصير الفاجع مستسلمة ، شبه يائسة…

لكنها لم تلبث في مكانها طويلا ، فلقد كان لهاث ولدها الظامئ يمزق قلبها ويفري كبدها ، وكان مشهده والحياة تتسرب منه وتنطفئ ، رويدا رويدا ، أقسى من أن تحتمله أمومتها، فجمعت كل ما بقى لها من قوة ، وزحفت بعيدا عن ولدها المحتضر، ثم غطت وجهها بلفاعها وهى تقول:

-لا أنظر إلى موت الولد…

وأمسك الكون أنفاسه ، ولم يبق من صوت سوى لهاث المحتضر وأنين أمه التعسة، يتردد صداهما في البلقع القفر ، مختلطا بعواء وحوش الفلاة، وسُعار السباع الجائعة المحمومة على المكان .. كأنها ترقب الخفقة الأخيرة في فريستها المنتظرة .

ثم كانت النجاة..

حوم طائر على المكان ثم حط على بقعة هناك ، فظل ينقر فيها بمنقاره حتى انبثق ماء “زمزم” فهرعت “هاجر” نحوها وهى تحس موجة دافقة من القوة والحيوية في كيانها ، وأقبلت ترتوى ، وتسقى ولدها..

ودبت الحياة في الوادي الأجرد؟؟

“مرت رفقة من جرهم مقبلة من طريق كداء ، تريد الشام ، فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طيرا فقالوا : أن هذا الطير لحائم “على ماء! لعهدنا بهذا الوادى وما فيه ماء..

“وأرسلوا دليلهم ، فعاد يحدثهم عما رأى ، وتبعوه حتى أشرف بهم على الماء، فإذا هناك هاجر وولدها ، فقالوا لها : إن شئت كنا معك فآنسناك ، والماء ماؤك ..

“فأذنت لهم فنزلوا معها ، وهم أول سكان مكة”.

وخلدت “هاجر” الأمة المنبوذة ، صورة مؤثرة مثيرة للأمومة في حنوها وآلامها وهمومها..

وعاش ولدها إسماعيل – ذاك الذى رعته وحدها حين تركه أبوه في البلقع القفر – ليتلقى مع أبيه إبراهيم، عهد الله سبحانه:

“وإِذ جعلنا البيت مثابة للناس وأَمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلَى إِبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود- وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ”

أم موسى

وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ             إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ .     (قرآن كريم)

لا يذكر “القرآن الكريم” شيئاً عن والد “موسى” وإنما يخص بالذكر أمه، ويكل إليها أمر حمايته وليداً ورضيعاً، حين ضاق فرعون ببني إسرائيل وأنكر خبث أفاعيلهم وضراوة شرهم ، فأذلهم واستعبدهم وراح يسومهم سوء العذاب..

وتقول الرواية أنه رأى في منامه رؤيا أفزعته “فدعا الكهنة والسحرة والمعبرين والمنجمين ، فسألهم رؤياه فقالوا : يولد في بني إسرائيل غلام يسلبك الملك ويغلبك على سلطانك ، ويخرجك وقومك على أرضك ، ويبدل دينك  . وقد أظلك زمانه الذى يولد فيه”.

وكفر غضبه ونفد صبره، فأمر بقتل كل غلام يولد في بني إسرائيل .

وولد “موسى” حينذاك خفية ، فارتجفت أمه رعبا وجزعا ، وأشفقت عليها القابلة فوعدتها أن تكتم الأمر ، ويضيف بعض الرواة أن القابلة لم تكد تنظر إلى الوليد حتى اهتز قلبها رحمة له وتعلقا به ، وأبى عليها أن تسلمه إلى الذبح…

غير أنها ما كادت تنصرف من عند أم موسى حتى أبصرتها عيون فرعون التى بثها في كل مكان ، فاندفعوا يقتحمون الدار وكادوا يظفرون بالوليد لولا أن لمحتهم أخته “مريم” فهمست جازعة:

-أماه ، هذا الحرس بالباب!

وفي ذهول المفاجأة ، الهم الله أم موسى فلفت ولدها في خرقة وألقته في جوف التنور، دون أن تشعر بما تفعل ، فلم تكد تودعه هناك حتى دخل الحرس، فلم يجدوى سوى الأم بادية السكينة والاطمئنان ، وإلى جانبها فتاتها تعني بشؤون الدار في جد وهدوء…

وسألها الحراس في فظاظة:

-ما أدخل عليك هذه القابلة؟

أجابت من غير أن تزايلها سكينتها:

-هى مصافية لى ، دخلت عليَّ زائرة ..

فانصرفوا ودارت عينا الأم تبحثان عن ولدها ، فإذا صوته ينبعث من التنور ، فهرعت إليه وأخرجته لم يمسه أذى بفضل الله .

وبدا جليا أن إخفاء الصغير غير مستطاع إلا إلى حين ، وأطرقت الأم مهمومة تفكر، فأوحى الله إليها: ” أَنِ ٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ فَلۡيُلۡقِهِ ٱلۡيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأۡخُذۡهُ عَدُوّٞ لِّي وَعَدُوّٞ لَّهُۥۚ وَأَلۡقَيۡتُ عَلَيۡكَ مَحَبَّةٗ مِّنِّي وَلِتُصۡنَعَ عَلَىٰ عَيۡنِيٓ “.

واستجابت لوحي الله، فاتخذت تابوتاً وجعلت فيه قطناً، ثم أرضعت وليدها وأرقدته في التابوت، وأحكمت عليه الغطاء، وألقت به في النيل..

كيف كان شعورها إذ ذاك وهى تسلم فلذة كبدها بيدها إلى النهر؟ أغفل أكثر الذين تعرضوا للقصة ، تصوير موقفها ذاك على شط النيل ، وقد تعلقت عيناها بالتابوت الذى يضم الصغير الحبيب ، إذ تتقاذفه الأمواج وتمضي به بعيداً…

على أن منهم من أدرك الموقف المؤثر ، حيث غاب التابوت عن بصرها، وروعها الفراغ من حولها .. فتنبهت فجأة إلى أنها ألقت ولدها بيدها في اليم ، لم تفكر إلا في نجاته من جند فرعون ، حتى أدركت بعد فوات الأوان ، أنها خلصت وليدها من الذبح ، لتلقي به إلى أقواه الحيتان!

قال “الثعلبي”:

“فلما ألقته في النيل وتوارى عنها، أتاها الشيطان فوسوس إليها ، فقالت في نفسها: ماذا صنعت بابني؟ لو ذبح لواريته وكفنته ، وكان أحب إلى من أن ألقيه في بيدى في البحر وأدخله إلى دواب البحر”.

وتلك إضافة أحسبها من “الإسرائيليات” التى روجها في المسلمين من أسلموا من اليهود ، والقرآن الكريم لا يشير إلى هذه الوسوسة الشيطانية من قريب أو بعيد، بل لعله أقرب إلى أن يرفضها وينفيها ، بالنص الصريح على أن قذف الأم لولدها في اليم، كان بوحي من الله .

ولنا مع ذلك أن نتمثلها وقد لبثت في مكانها على الشاطئ لا تكاد تقوى على مغادرته، وقلبها يعدو في أثر ذاك الذى مضى ..  حتى افتقدتها ابنتها فجاءت تلتمسها هناك ، وقادتها في رفق عائدة بها إلى الدار ، حيث مضت الأم المحزونة تطوف بأنحائها ، وتنادى الغائب العزيز ..

وأنزل الله سكينته عليها ، فأمسكت عبرتها وكتمت لوعتها ، وانطوت على نفسها صابرة داعية ، خاشعة مستسلمة لأمر الله .

ومضت الأمواج “بموسى” حتى انتهت به – فيما يروى الخبر – إلى روضة عند قصر “فرعون” كانت مستقى لجواريه ، فما لمحن التابوت حتى التقطنه وانطلقن به إلى سيدتهن “آ سية”: امرأة فرعون” وفي حسابهن أن به كنزا من مال وجواهر..

ثم فتح الصندوق ، فإذا الصغير يرفع إلى “آسية” وجها مشرقا بابتسامة حلوة!

وأقبلت عليه تملأ عينيها منه وقد أحست قلبها ينفتح له ، كأنما هو قطعة منها..

ولم يكن لها ولد ، فما أجملها هدية تقدمها السماء إلى أمومتها المحرومة!

في هذا كانت تفكر ، حين أقبل حرس فرعون على جناحها ، يطلبون الصبي وقد سمعوا به .

قالت آمرة:

-انصرفوا ، فإن هذا لا يزيد في بني إسرائيل ..

ثم لما رأت ترددهم ، خففت من صرامتها وقالت:

-دعوا أمره لي ، فأنا آتي فرعون واستوهبه إياه ، فإن فعل كنتم قد أحسنتم، وأن أمركم بذبحه فلن ألومكم ..

وجاءت “فرعون” فتوسلت إليه قائلة:

“قرة عين لي ولك ، لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً”.

فكان جوابه:

-قرة عين لك ، أما أنا فلا حاجة لى فيه..

ثم استدرك بعد لحظة:

-لا بل فليذبح ، فإني أخاف أن يكون هذا من بني إسرائيل ، وأن يكون هو الذى هلاكنا وزوال ملكنا على يده …

فلم تزل “آسية” تكلمه وترجوه ، حتى وهبه لها ، وعادت به إلى جناحها من قصر فرعون ، والدنيا لا تسعها من فرط فرحتها …

وهنالك في حي بني إسرائيل ، كانت “أم موسى” مشغولة البال لا تدري مصير وليدها الرضيع .

قالت لأخته :

-“قضيه” وتتبعي أثره، هل تسمعين له ذكرا؟ أحي هو أم قد أهلكته دواب البحر؟

فخرجت الأخت تلتمس أثر أخيها، وسارت بحذاء النهر حتى حملتها قدماها إلى قريب من قصر فرعون ، لتسمع هناك أن ربة القصر تبنت غلاما رضيعا، يأبى المراضع!

وحدثها قلبها أنه هو ، فظلت تحوم حول القصر في حذر ولهفة وترقب، حتى رأت جواري امرأة فرعون يخرجن في التماس المراضع ، لعله يقبل ثدي إحداهن..

هنالك لاذت أخته بكل ما في طاقتها من شجاعة كي تداري عواطفها وتكتم لهفتها، وتقدمت إلى القصر في حذر، ثم قالت لبعض من هناك، في صوت حاولت ألا ينم عن شئ مما كان يخالجها:

-“هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم ، وهم له ناصحون”.

فراب القوم ما سمعوا ، واحاطوا بها يسألونها:

-ما نراك إلا تخفين أمرا!

فأجابت في ثبات:

-بل أردت أن أنصح لكم…

قالوا:

-لعلك تعرفين أهله ، وألا فما يدريك أنهم له ناصحون؟..

فهزت رأسها قائلة:

  • الأمر أبسط مما تظنون ! كل ما هناك أني أعرف فيهم الرحمة وطيب القلب، وما أشك في أنهم يرحبون بحضانة الصغير شفقة عليه، وتقربا إلى الملك، والتماسا لبره!

وتبعوها إلى حيث كانت “أم موسى” تجتر همومها في وحدتها، خالية الذهن من أسعد مفاجأة تخطر على قلب أم!

ولمحته ، فأمسكت صيحة فرح كادت تنطلق من أعماق قلبها المشوق فتنم عليها، وأقبلت على الرضيع متجلدة متماسكة، فضمته إلى صدرها فما كان أشد عجب القوم الذين عرفوا أباء “موسى” للمراضع جميعا ، إذ رأوه يلقف الثدي في لهفة الظامئ يجد ريا!

ورضع حتى ارتوى ، وعاد رسل امرأة فرعون إليها يصحبون “موسى” وأمه، ويقصون عليها ما رأوا من أمرهما ..

قالت في غبطة:

-هلا مكثت عندى لترضعى ابنى هذا الحبيب؟

فأجابت الأم:

-بل إن شئت يا سيدتي صحبته معي إلى بيتي أرضعه وأرعاه ، فإني أخشى أن أنا هجرت بيتي وولدي ، ضاعوا … ولست بتاركتهم أبدا..

وقد يبدو عجيبا من “ام موسى” أن تقف هذا الموقف ، فتأبى أن تقيم في القصر ظئرا لولدها .. لكن لا عجب ، فلقد أدركت الأم أنها سيدة الموقف مادام الوليد قد أبى أن يرضع إلا من ثديها، وأنها لتعرف تعلق “امرأة فرعون” بالصغير، فلماذا لا تصر على أن تعود به إلى دارها كي تروى به أشواق أمومتها في اطمئنان، بعيدا عن جو القصر وعيونه وأرصاده؟

لماذا لا تنجو به من رقباء قد يريبهم حنوها الغمر على الصغير؟

لو أنها أقامت بالقصر ، فهي بين أمرين أحلاهما مر:

إما أن تكبت عاطفتها الطمأى وتكبت أشواق أمومتها، كي لا يستريب القوم في أمرها، وذلك ما لا طاقة لأمومتها به بعد الذى كان…

وأما أن تترك نفسها على سجيتها ، فتدفع ولدها بيدها إلى المذبحة!

ثم أنها قد رأت من رحمة ربها بها وبولدها ، ما يغريها بأن تختار له ولنفسها المكان المطمئن في دارها ، وفي ذلك يقول “الثعلبي”:

” وتذكرت أم موسى ما كان الله وعدها ، فتعاسرت على امرأة فرعون ، وأيقنت أن الله سبحانه وتعالى منجز وعده “.

ولم تجد “امرأة فرعون” مفرا من أجابة الظئر إلى طلبها، حرصا على حياة الرضيع، فأذنت لها فجرعت به إلى بيتها…

فذلك قوله تعالى في سورة القصص:

“وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ أُمِّ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَرۡضِعِيهِۖ فَإِذَا خِفۡتِ عَلَيۡهِ فَأَلۡقِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحۡزَنِيٓۖ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيۡكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ (7) فَٱلۡتَقَطَهُۥٓ ءَالُ فِرۡعَوۡنَ لِيَكُونَ لَهُمۡ عَدُوّٗا وَحَزَنًاۗ إِنَّ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَٰطِـِٔينَ (8) وَقَالَتِ ٱمۡرَأَتُ فِرۡعَوۡنَ قُرَّتُ عَيۡنٖ لِّي وَلَكَۖ لَا تَقۡتُلُوهُ عَسَىٰٓ أَن يَنفَعَنَآ أَوۡ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدٗا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ (9) وَأَصۡبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَٰرِغًاۖ إِن كَادَتۡ لَتُبۡدِي بِهِۦ لَوۡلَآ أَن رَّبَطۡنَا عَلَىٰ قَلۡبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ (10) وَقَالَتۡ لِأُخۡتِهِۦ قُصِّيهِۖ فَبَصُرَتۡ بِهِۦ عَن جُنُبٖ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ (11) ۞وَحَرَّمۡنَا عَلَيۡهِ ٱلۡمَرَاضِعَ مِن قَبۡلُ فَقَالَتۡ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰٓ أَهۡلِ بَيۡتٖ يَكۡفُلُونَهُۥ لَكُمۡ وَهُمۡ لَهُۥ نَٰصِحُونَ (12) فَرَدَدۡنَٰهُ إِلَىٰٓ أُمِّهِۦ كَيۡ تَقَرَّ عَيۡنُهَا وَلَا تَحۡزَنَ وَلِتَعۡلَمَ أَنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ (13) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَٱسۡتَوَىٰٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ”.

وقوله تعالى في سورة طه :

” قَالَ قَدۡ أُوتِيتَ سُؤۡلَكَ يَٰمُوسَىٰ (36) وَلَقَدۡ مَنَنَّا عَلَيۡكَ مَرَّةً أُخۡرَىٰٓ (37) إِذۡ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰٓ (38) أَنِ ٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ فَلۡيُلۡقِهِ ٱلۡيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأۡخُذۡهُ عَدُوّٞ لِّي وَعَدُوّٞ لَّهُۥۚ وَأَلۡقَيۡتُ عَلَيۡكَ مَحَبَّةٗ مِّنِّي وَلِتُصۡنَعَ عَلَىٰ عَيۡنِيٓ (39) إِذۡ تَمۡشِيٓ أُخۡتُكَ فَتَقُولُ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ مَن يَكۡفُلُهُۥۖ فَرَجَعۡنَٰكَ إِلَىٰٓ أُمِّكَ كَيۡ تَقَرَّ عَيۡنُهَا وَلَا تَحۡزَنَۚ”.

هكذا نزل الوحي على “أم موسى” بالمهمة الجليلة: مهمة إنقاذ الوليد الموعود بالنبوة….

أم المسيح

“إذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَٰمَرۡيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٖ مِّنۡهُ ٱسۡمُهُ ٱلۡمَسِيحُ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ وَجِيهٗا فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ ”  (قرآن كريم).

وعيسى عليه السلام…

أنه “عيسى بن مريم” كما دعاه كتاب الإسلام …

ومن حق الأمهات أن يفخرن بنسبة نبي المسيحية إلى أمّه التى طهرها الله واصطفاها على نساء العالمين …

وقصة أمومة “مريم” بالغة الإثارة، فلقد تعرضت – عليها السلام – لأقسى ما تتعرض له أنثى: نشأت في بيت دين وتقى، لأب عالم شيخ من كبار بني إسرائيل، فلما حملت بها أمها نذرت لله أن تهب ما في بطنها لخدمة الهيكل: ” إِذۡ قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ عِمۡرَٰنَ رَبِّ إِنِّي نَذَرۡتُ لَكَ مَا فِي بَطۡنِي مُحَرَّرٗا فَتَقَبَّلۡ مِنِّيٓۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتۡهَا قَالَتۡ رَبِّ إِنِّي وَضَعۡتُهَآ أُنثَىٰ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا وَضَعَتۡ وَلَيۡسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلۡأُنثَىٰۖ وَإِنِّي سَمَّيۡتُهَا مَرۡيَمَ وَإِنِّيٓ أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٖ وَأَنۢبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنٗا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّاۖ “.

ذلك أن أباها “عمران” مات وهى صغيرة، فاختلف القوم فيمن يكفلها من آلها ، وألقوا على ذلك قرعة فكفلها “زكريا” زوج خالتها ..

“ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡغَيۡبِ نُوحِيهِ إِلَيۡكَۚ وَمَا كُنتَ لَدَيۡهِمۡ إِذۡ يُلۡقُونَ أَقۡلَٰمَهُمۡ أَيُّهُمۡ يَكۡفُلُ مَرۡيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيۡهِمۡ إِذۡ يَخۡتَصِمُونَ”

وأمضت مريم صباها في المحراب عابدة خادمة ، وفاء بنذر أمها، حتى إذا اختارها الله من دون النساء جميعا ليودعها سره الأكبر، بعث إليها في خلوتها من بشرها “لكمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم ، وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين”.

فما كادت تسمع البشرى حتى اخذ الروع منها أعنف مأخذ ، ثم رفعت وجهها إلى السماء ضارعة:

“قَالَتۡ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَلَمۡ يَمۡسَسۡنِي بَشَرٞ وَلَمۡ أَكُ بَغِيّٗا (20) قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٞۖ وَلِنَجۡعَلَهُۥٓ ءَايَةٗ لِّلنَّاسِ وَرَحۡمَةٗ مِّنَّاۚ وَكَانَ أَمۡرٗا مَّقۡضِيّٗا”.

واستسلمت لأمر الله المقضي وقدره المحتوم ، حتى أحست الجنين يتقلب في أحشائها ، ويا له من إحساس رهيب تعانيه عذراء طاهرة نقية السمعة! هنالك أشفقت من الفضيحة والعار ، فانتبذت بحملها مكانا قصيا ، وأقامت في وادٍ للرعاة هجره رعاته بمواشيهم التماسا للكلأ ، فلما جاءها المخاض ألجأها إلى جذع نخلة هناك ، ووضعت وليدها في مذودٍ للماشية، وقالت:

“يَٰلَيۡتَنِي مِتُّ قَبۡلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسۡيٗا مَّنسِيّٗا”

ثم كان ما لابد أن يكون…

مضت “فَأَتَتۡ بِهِۦ قَوۡمَهَا تَحۡمِلُهُۥۖ قَالُواْ يَٰمَرۡيَمُ لَقَدۡ جِئۡتِ شَيۡـٔٗا فَرِيّٗا (27) يَٰٓأُخۡتَ هَٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمۡرَأَ سَوۡءٖ وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِيّٗا”.

ولم يشفع لها ما عرف القوم من عفتها وطهرها ، ولا أنقذها من لعنتهم ما بدا من ولدها الصغير من آيات بينات ، بل رموها بالإفك وقالوا عليها “بهتانا عظيما” ، فتلقت اللعنة صابرة، وكابدت المحنة متجلدة لقضاء الله فيها ، راضية بما هو أقسى من الموت في سبيل ولدها الموعود بالمجد العظيم ..

ويصف “الإنجيل” ما عانت “مريم” من ذلك وصفا مؤثرا، ثم يحدثنا عن فرارها بابنها إلى مصر لكي تنجو من الكيد والأذى ، حيث أقامت هناك اثنى عشر عاما، ترعاه وتكدح لتهيئ له أسباب العيش ووسائل التعليم ..

ولم يجحد الكتاب المسلمون ذلك الكفاح الصابر، بل كتب “الثعلبي” : “فأقامت مريم بمصر اثنتي عشرة سنة، تغزل الكتان، وتلتقط السنبل في أثر الحصادين، وكانت تفعل ذلك  والمهد في منكبها، والوعاء الذى فيه السنبل في منكبها الآخر”.

كما يتحدثون عن عنايتها بتعليمه، ويصفون كيف أخذته صغيرا “وجاءت به إلى الكتاب وأقعدته بين يدي المؤدب حتى أذن الرب لها ، فعادت به إلى أورشليم ليسجد هناك حسب شريعة  الرب المكتوبة في كتاب موسى”.

وسكنا في قرية “الناصرة” حيث عاشت له إلى أن بلغ مبلغ الرجال، وكانت هى التى لاذ بها عندما تجلت له الرؤيا ، وكاشفها بهمومه الكبار ، وتزود منها بالتأييد والتشجيع…

وقد سجل لها “انجيل برنابا” ذلك الموقف الخالد، فذكر في الفصل العاشر أنه لما بلغ “يسوع” ثلاثين سنة من العمر، صعد إلى جبل الزيتون مع أمه ليجني زيتونا، وهناك تجلت له الرؤيا وعلم أنه نبي مرسل إلى بني إسرائيل فكاشف مريم أمه بكل ذلك قائلاً لها: أنه يترتب عليه احتمال اضطهاد عظيم لمجد الله ، وأنه – أي عيسى- لا يقدر فيما بعد أن يقيم معها ويؤدي ما عليه من دين لها بخدمتها…

“فلما سمعت مريم هذا أجابت: يا بني، أني نبئت بكل ذلك قبل أن تولد، فليتمجد اسم الله القدوس … ومن ذلك اليوم انصرف يسوع عن أمه ليمارس وظيفته الدينية”.

بعد أن صحبته مدى ثلاثين عاما ، هيأته خلالها للدور العظيم الذى ينتظره..

انصرف عنها ، ولكنهما خلدا معا على الأيام ، آية من آيات الله…

“وجعلنا ابن مريم وأمه آية”.

“وجعلناها وابنها آية للعالمين”.

وتأتي “آمنة بنت وهب” في ختام هذا الموكب الرائع لأمهات الأنبياء، لتكون أم الرسول اليتيم: خاتم الرسل، والمبعوث بآخر رسالات الدين…

 

Tags: أمالأمبنت الشاطئ
Previous Post

عودة الروح إلى ماسبيرو

Next Post

حسن فتحي.. معماري همس للطين فأنطق العمارة

Related Posts

هل نرى ميريت فى انعكاس بريقها
سيرة الكتب

هل نرى ميريت فى انعكاس بريقها

فبراير 26, 2025
فوتوغرافيا الأدباء والعابرين على المقهى
سيرة الكتب

فوتوغرافيا الأدباء والعابرين على المقهى

مايو 10, 2024
آيات قرآنية شغلت علماء التشريح .. تعرف عليها
سيرة الكتب

آيات قرآنية شغلت علماء التشريح .. تعرف عليها

يونيو 8, 2025
من التنويم المغناطيسى إلى السيكاديليكس
سيرة الكتب

من التنويم المغناطيسى إلى السيكاديليكس

فبراير 26, 2025
كل هذه الكتب الجميلة .. تطاردنى !
سيرة الكتب

كل هذه الكتب الجميلة .. تطاردنى !

أغسطس 17, 2024
سيرة الكتب

حينما طردني الأستاذ من منزله!

سبتمبر 4, 2024
Next Post
حسن فتحي.. معماري همس للطين فأنطق العمارة

حسن فتحي.. معماري همس للطين فأنطق العمارة

اترك تعليقاً إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

فودكا - مزاج القراءة

جميع الحقوق محفوظة لموقع فودكا

استكشف الآن

  • الرئيسية
  • سيرة الكتب
  • باتيناج
  • ترجمان الأشواق
  • خمارة القط الأسود
  • كأس
  • فودكا

تابعنا الآن

Welcome Back!

OR

Login to your account below

Forgotten Password?

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Log In
error: Content is protected !!
No Result
View All Result
  • الرئيسية
  • باتيناج
  • ترجمان الأشواق
  • خمارة القط الأسود
  • سيرة الكتب
  • فودكا
  • كأس
  • Privacy Policy
  • about us
  • contact us

جميع الحقوق محفوظة لموقع فودكا