عندما نشبت الحرب بين الشاه إسماعيل الصفوي والدولة العثمانية عام 1514 خاف الشاه أن يقع “المصور بهزاد” والخطاط محمود النيسابوري في أيدي الأتراك وانشغل الشاه على مصيرهما فأخفاهما في أحد الكهوف خوفا على حياتهما ولما عاد من الحرب كانا أول من سأل عنهما واطمأن على حياتهما.
وفي عام 1522 عين الشاه المصور بهزاد أمينا للمكتبة الملكية ومشرفا على معهد فنون الكتاب.
كان الخطاطون والمذهبون في إيران حتى اوائل القرن الخامس عشر لهم الكلمة الأولى في فن الكتاب فهم المتميزون على المصورين فبعد أن يفرغ الخطاط من كتابة المخطوط يترك فراغا محدودا للمصور يرسم فيه ولا يتعداه.. ولكن المصور بهزاد غير هذه الأوضاع فهو الذي يرسم الموضوع أولا في المساحة التي يريدها ثم يترك فراغا للخطاط من بعده.
ومن المعروف أن مدرسة بغداد تعد أقدم مدارس فن التصوير في الإسلام حيث نشأت خلال القرن الثالث عشر وهي مدرسة عربية أخرجت مخطوطات مصورة تبحث في الطب والجراحة والفلك والصيدلة وعلم النبات والحيوان والبيطرة وفي دار الكتب المصرية – في القاهرة – “مخطوطات عن البيطرة” يعد من أقدم المخطوطات الإسلامية المصورة، كما أخرجت المخطوطات هامة في مقامات الحريري وكليلة ودمنه.
ومن أبرع المصورين الذين ذاع صيتهم في هذه المدرسة، وكان لهم فضل إنشائها وإعلاء شأنها عبد الله بن الفضل ويحيى بن محمود الواسطي.
أما المدرسة الإيرانية المغولية فنشأت بعد فتح المغول لإيران والعراق. وبسقوط بغداد عام 1258 وفد على بلاطهم في بغداد وتبريز ومراغة وسلطانية جموع من الفنانين من الأقاليم التي فتحوها، فأنتجوا فنا يميل إلى الأساليب الصينية في التصوير.
وفي عصر تيمور ومدرسة هراة في نهاية القرن الرابع عشر وبداية القرن الخامس عشر أخذت تزدهر المدرسة التيمورية ومدرسة هراة وكانت “مدينة سمرقند” أهم مراكز فن التصوير في ذلك الوقت، وقد جمع فيها تيمور أشهر الفنانين وأصحاب الفنون الدقيقة في عام 1370 تقريبا. وبعد وفاة تيمور أصبحت هراة في عهد “ابنه شاه رخ” محط أنظار أهل الفن والعلم ومن بعده “ابنه يستقر مرزا” الذي اسس مكتبة ومعهدا لفنون الكتاب وكان يعمل بهما أربعون فنانا بين مصور وخطاط ومُذهب. ومن أحسن ما أخرج من الكتب المصورة في ذلك الوقت الشاهنامه للفردوسي كما اتجه مصورو البلاط إلى تصوير كتب الشعر العاطفي والتصوف التي ألفها فطاحل الشعراء الإيرانيين أمثال نظامي وسعدى، فأخرجوا لنا المنظومات الخمس لنظامي، والبستان لسعدي. ويعد هذا العصر الذهبي لفن التصوير الإيراني حيث بدأ هذا الفن بداية جديدة فيها الروح الإيرانية ففي الصور نجد الحدائق والزهور وآثار فصل الربيع وتدرج الألوان في الأشجار وفي الجبال وفي التلال التي تكسوها الحشائش والأزهار.
وهنا بزغ نجم بهزاد:
ولد كمال الدين بهزاد في مدينة هراة من أعمال خراسان حوالي عام 1440، وكانت المدينة مركزا للفنون والعلوم من أيام شاه رخ بن تيمور، ومن بعد يبستقر مرزا. فنشأ بهزاد نشأة فنية في رعاية السلطان حسين بيقرا، ووزيره الشاعر الموسيقى “المصور ميرعلي شير” ويقال أنه تتلمذ على المصور بير سيد أحمد التبريزي والمصور الكبير ميرك نقاش. وظل بهزاد في هراة حتى وقعت المدينة في يد السلطان إسماعيل الصفوي عام 1510 فانتقل معه إلى تبريز حيث تألق نجمه وبزغ في التصوير ونال من الشرف والفخار في خدمة الشاه إسماعيل ثم ابنه “طهماسب” ما لم ينله مصور آخر في التاريخ الإسلامي.
ولقد تسابق الملوك والأمراء على كسب رضاء الفنان بهزاد عندما غطت شهرته على ما سبقه ومن عاصره ومن جاء بعده من المصورين. ويقول المؤرخ الإيراني خونادمير “أن مهارة بهزاد محت ذكرى سائر المصورين وأن شعرة من فرشاته قد اكسبت الجماد حياة”.
كانت شهرة بهزاد الواسعة سببا في تقليد أعماله وكتابة اسمه على صور لم يرسمها بل ربما رسمها تلاميذه من بعده، وعمد البعض إلى تقليد إمضائه لرفع مستوى أعمالهم الفنية ولبيعها على أنها من عمل بهزاد.
وفن بهزاد يمتاز بالرقة والشاعرية والعناية الفائقة برسوم الأشخاص خصوصا لو علمنا أن حجم اللوحات 201x 30سم تقريبا). إلا أن لكل شخص سماته الخاصة وتعبيراته النفسية. فتزخر لوحاته ومنمنماته بالحياة والواقعية، أما ألوانه فتمتاز ببراعة مزجها وتنوع درجات اللون الواحد، فالأحمر: منه الوردي، والقرمزي، والطوبي، والأحمر الغامق، وكذلك اللون الأصفر والأخضر والأزرق كل بدرجاته مع إجادة توزيع الألوان في اللوحة بشكل مريح للنظر.
المصادر: التصوير الإسلامى ومدارسه ـ د. جمال محمد محرز ـ كتاب ـ المكتبة الثقافية ـ دار المعارف
ـ بهزاد ..أشهر مصور إسلامى ـ عبد الفتاح عيد ـ بحث ـ مجلة الهلال 2001