بقلم ريم صالح
الكثير من محبي السينما لما يسمعوا إسم مهرجان كان، أول حاجة بتيجي في بالهم أفلام يوسف شاهين صاحبة السمعة الشهيرة “اللي مش مفهومة دي”، أو صورة تحية كاريوكا الشهيرة بالملاية اللف، واللي أصبحت من أيقونات المهرجان بسبب الخناقة الشهيرة. لكن في الحقيقة، الحضور المصري في “كان” أقدم وأعمق من مجرد صور أو نوستالجيا. ده تاريخ بدأ من الخمسينات، وحمل معه محاولات حقيقية للسينما المصرية لحجز مكان لها وسط الكبار على الساحة الدولية.
الحقيقة أن ذلك الحضور النابع من ازدهار حقيقي للسينما المصرية في فترة الاربعينات من حيث تطور الموضوعات وانتقالها من الاقتباس العالمي والتراثي؛ إلى الموضوعات السياسية والمجتمعية التي تشغل المصريين. ثم الانفجار في العدد والمضمون الذي صاحب الخمسينات وارتفاع عدد الافلام ل 60 و 70 فيلما سنويا؛ لاسباب كثيرة اهمها افتتاح استوديوهات خاصة في الاربعينات، ثم دعم الدولة في الخمسينات وتغير النظام السياسي.
من هنا نلاقي أن من أوائل المشاركات المصرية كان فيلم “الوحش” (1954) من إخراج صلاح أبو سيف، واللي ناقش بمنتهى الجرأة فكرة الفساد المجتمعي. الفيلم وقتها كان مختلف، وقدم طرح درامي لفت انتباه المهرجان. وفي نفس السنة، دخل كمال الشيخ بفيلم “حياة أو موت”، بجملته الشهيرة “الدواء فيه سم قاتل” فيلم بسيط في قصته لكنه عميق في تأثيره، وكان سابق لزمنه بفكرته الإنسانية والتشويق اللي فيه.
وفي 1956، صلاح أبو سيف رجع مرة تانية بـ”شباب امرأة”، فيلم ناقش علاقة السلطة بالنفوذ والجنس، وفتح وقتها نقاش واسع عن المرأة وصورتها في المجتمع. الفيلم كان جريء، وحمل بصمة قوية وضعته كعلامة من علامات السينما المصرية على المستوى العالمي.
نيجي ليوسف شاهين، اللي كان دايمًا حاضر في “كان”، مش بس لأنه بيحب المهرجانات، لكن لأنه كان بيحاول دايمًا يطرح أسئلة كبيرة بلغة فنية مختلفة. أفلامه زي “العصفور” (1972)، و”وداعًا بونابرت” (1985)، و”اليوم السادس” (1986)، وغيرها “المصير والمهاجر” كانت محملة بأسئلة عن الهوية، والتاريخ، والوجود. يمكن مش كل الناس فهمتها، لكن محدش قدر ينكر تأثيرها.
ومع مرور السنين، السينما المصرية رجعت لساحة “كان” بأفلام معاصرة لفتت الأنظار. منها “اشتباك” (2016) ليسري نصر الله، اللي كان تجربة سينمائية غير تقليدية بتحكي عن ثورة يناير من جوا عربية ترحيلات. و”يوم الدين” (2018) لأبو بكر شوقي، فيلم إنساني عن رحلة رجل مصاب بالجذام، قدر يلمس مشاعر كتير من الجمهور والنقاد. أما “ريش” (2021) لعمر الزهيري، فكان من أكتر الأفلام اللي أثارت جدل. قصة سريالية عن أب بيتحول لفرخة، لكن في قلبها رسالة اجتماعية قوية عن الفقر والهامش.
والسنة دي، السينما المصرية راجعة لمهرجان كان بأفلام تمثل تنوع كبير في الطرح والرؤية. أولهم “عائشة لا تستطيع الطيران” للمخرج مراد مصطفى، بيحكي عن عائشة، مربية سودانية عايشة في حي عين شمس، وبيستعرض التوترات والتحديات اللي بتواجه مجتمعات المهاجرين الأفارقة في مصر. فيلم عن الهوية، والانتماء، والبقاء في مجتمع مش دايمًا بيرحب بالغريب. الفيلم التاني هو “Eagles of the Republic”، وده بيطرح موضوعات سياسية واجتماعية من منظور معاصر جريء.
باختصار، السينما المصرية في مهرجان كان مش مجرد ظهور عابر ولا تمثيل رمزي. هي حضور حقيقي ممتد، بيحاول من سنين يقول للعالم: عندنا حكايات مختلفة، عندنا صوت، وعندنا شغف… ولسه في جمهور بره مستني يسمعنا. المهم هل الجمهور اللي جوا شاف وسمع الافلام دي. والا ليساها مش مفهومة؟! أو مقصود الاشاعة عنها “أنها مش مفهومة” لتطفيش الجمهور وحصره في أفلام بتتصور في كام أسبوع.. لا تترك أثرا ولا تغني من جوع؟!