صباح الخير يا حمدى :
فى الحادية عشر صباح (11 يونيو 2023 ) تلقيت خبراً يقول بأنك رحلت عن الدنيا وما فيها!، وهالنى أن تظل على ندالتك معى حتى قبل هذه اللحظة الحاسمة التى كنا نتحدث عنها كثيرا ونراها قريبة لأحدنا ،كم مرة اتفقنا على لقاء قبل مجيئها يا رجل؟، لا تقل إنها غافلتك أوضحكت عليك ،فأنت أخبث من اللحظات وأكثر منها ذكاء وحنكة وعبط يليق بمحب للحياة،ستقول لى إن لحظة الموت مختلفة يا أشرف وتصطنع الحكمة والتجربة الكبرى فى الوجود وتتحدث وأنت تعوم بذراعيك فى الهواء كأنما أمسكت بجوهر الحقيقة ،وسأقول لك إن لحظة تنزيل شيكارة الرمل من على كتفك أيام شغلك فى الفاعل لم تكن أقل ترويعا ، لعلك تتذكر تعثر أقدامك واهتزاز أعصابك وانقطاع أنفاسك وخوفك من الضراط أمام باقى العمال وأنت تصعد السلم والشيكارة تخر الرمل خشنا يلتصق بجسدك العارق عرقا لزجا سيالا من الجبهة حتى فتحة مؤخرتك ، كان موتا يا رجل،وحكينا عنه كثيراً فى ليال قمرية وشتوية وصيفية، لكنها الندالة يا صديقى الندل، تذكر يا ندل هذا التعبير الذى نسبته إلى نفسك وكان من تأليفى (أندل صديق فى حياتى ) كنت أحب فيك هذا النوع النادر من الندالة التى تجعل حياة الأصدقاء سهلة دونما عتاب أو لوم أو حتى قمصة صبياينة ،نتواعد ونخلف المواعيد، وحين نلتقى ويجد أحدنا فتاة يعرفها يترك صديقه ويمضى معها حتى لو كانت متوسطة الجمال أو معدومته ،ولا أنكر أنك كنت رائع الخسة فى تلك المنطقة ، لكننى لم اكن برئيا كل البراءة وانا أخبر إحداهن أنك تعانى من مرض جلدى معد وأننى اعتزلت اللقاء بك منذ أن ظهرت بقعة ( الثعلبة ) فى أم رأسك كأنها ثقب الأوزون، وأعجبنى فيك التصفيق للعبة البريئة الحلوة، ويومها حذرتك من براءتى ولم تصدق حتى طلبت الذهاب بصحبتى للقاء الشاعرة العربية الفائقة الجمال التى كانت تعيش فى لندن منتصف التسعينات وكنت تطمح أن أقدمك لها باعتبارك كاتب قصة شاب ومذهول بأشعارها ،وبجمالها طبعا، ولا تنكر أنى قمت بالواجب وسمحت لك بالفرجة على جمال وجهها وطريقة حديثها الحلو لمدة ثلاث دقائق ، لكننى أخطأت فى تعريفك وقلت إنك عامل بالفندق ساعدنى فى الوصول إلى مكانها وأننى لا أعرفك!، ولا أخفيك سراً فمن يومها وأنا أعتبر هذا أجمل وألذ مقلب دبرته لك ببراءتى المعهودة وأظنك اعترفت به مرارا وتكرار خاصة بعد أن صعد نجمك بعد رواية الفاعل وأصبح بإمكانك الجلوس إلى كاتبات وشاعرات من غيرى ، وأنا هنا لا أريد اجترار ذكريات ندالتك القديمة وليس هناك حاجة للعودة إلى التسعينات وأيام مجدها ،فقد تلاصقنا وقتها وافترقنا منذ 2010 وغبنا طويلا حتى التقينا مرات متتالية نحمل فيها تاريخ ندالتنا كدليل على قوة صداقتنا ومتانتها ، أقول لك لن أمضى بعيداً ، ويكفى أن أعيدك إلى موضوع المانجة الذى حدث قبل أيام وعلى الفيس بوك ، ولا تفتعل العبط كالعادة وتفتح فمك مندهشا بأسنانك البارزة وضحكتك الساخرة ( مانجة إيه يا راااجل) ،لأ أنت عارف يا معلم ،والقصة حصلت قريب قوى لما حطيت لنفسك صورة وأنت ماسك مانجايه نازلة من فرع شجرة ، وقلت إنك بتزرع مانجة فى الفيوم، وأنا كتبت لك بأنى عرفتك سنين ما كانش عندك مانجة ،وإن الندالة المعهودة مالهاش محل من الإعراب مع المانجة، يعنى افتكرنى بقفص حتى!، وانت طبعا عملت عبيط وحطيت علامة الضحك الصفراء وقلت ( تمام تمام ) وأنا قلت لك (أهو كلام ) وحطينا لبعض علامات الضحك الصفراء بدلا من اللايك ، وتصورت أن تلك هى حدود الندالة وسقفها ، لكن ما حدث ـ إن كان صحيحا ـ فلم تخترع البشرية ندالة تضاهيه فى خسته ، ماذا نقول لهالة ودنيا وهشام ونحن لم نكن مع أبيهم قبل أن يمضى فى هذا الطريق ؟، لقد كنت أنا شخصيا دراميا بالأمس إلى درجة تثير سخريتك وتطرقع ضحكاتك ، كنت أبكى يا رجل ،أنا الذى ضحكت معك ساخراً مرات ومرات من دراما الموت، بكيتُ وأعرف أنك كنت تضحك ليس لأنك ندل فقط ولكن لأنك رأيت ما أنت فيه قبل أن يحدث ، الشقاء كان موتا مؤجلا ،والخوف من الغد كان موتا موجلا، أرق الكتابة وجحيمها والبحث عن جنتها موتا مؤجلا، وندالة أصحابك وأنا أولهم بالطبع كانت موتا مؤجلا ، كنت أعرف أن أحدنا سيصعد ليرى ، لكننا تعاهدنا فى جلسات السطوح وشقة العمرانية بأن ننزل النهر سويا ونحكى عن باقى أسرارنا قبل الرحيل ،تخيلنا شكل القعدة بتفاصيلها وانفاسها ورسمنا سيناريوهات الضحك والنميمة والسخرية من انفسنا ومن الكتابة وأهلها، لكننى كنت ندلاً صغيرا وخالفت المواعيد المضروبة فينا ، وتفوقت ـ أنت ـ على كل محبيك بالضربة القاضية .. تركتنا ومضيت تضحك يا أجمل ندل وألذ وغد وأعذب قلب وأصفى قهقهة
…..
ملحوظة ـ الكتابة أندل منك ولم تسمح سوى بذلك هذا الصباح أو المساء لا أعرف !