مولاى صل و سلم دائما أبدا
على حبيبك خير الخلق كلهم
الله يُذهب ما بالقلب من علل
و من سقام حشا الأحشاء من غُلل
و من دموع جرحنّ الخد من بلل
………
لو كانت له عين ترى ،فما عليه إلا أن يرفعها ليرى آلاف البشر يرددون كلماته فى خشوع ، لو كانت له أذن لسمع تراتيل نورانية تُصفى القلوب وتغسلها ،إنه الشاعر المصرى الصميم” شرف الدين أبو عبد الله محمد بن سعيد البوصيرى” شاعر بردة المديح الأشهر فى التاريخ وصاحب المقام المعروف بالاسكندرية بجوار مسجد أستاذه وشيخ طريقته سيدى مرسى أبى العباس ،عاش البوصيرى فى القرن السابع الهجرى (1211م تقريبا )،ولا يُذكر اسمه إلا مع قصيدته الخالدة في مدح الرسول المعروفة بنهج البردة وسميت بذلك لأن شاعرها كعب ابن زهير كان قد هجا النبى قبل أن يشرح الله صدره للإسلام ،ومع فتح مكة جاء الى الرسول الكريم منشداً قصيدته التى خلع النبى بردته ووضعها عليه استحسانا وعفوا عما فعل قبل ذلك واكتسبت القصيدة شهرة البردة المنسوبة لأشرف الخلق، وبعد قرون يأتى الإمام البوصيرى ليعيد بريق القصيدة بعد أن زهد مباهج الحياة ومتعها واتجه الى التصوف وانقطع للعبادة وذهب الى الاسكندرية والتقى سيدى أبو العباس المرسى تلميذ الامام ابي الحسن الشاذلي، ويصاحبه البوصيري ويتتلمذ عليه ويكون من مريديه وأتباعه، ويقال أن سبب نظمه لقصيدة البردة نوبة مرض شديدة لم يستطع الأطباء علاجها فعكف الرجل يتشفع بالنبى الكريم فجاءت البردة التي ما إن اتمها حتى برئ تماما من مرضه، ويقال إن البوصيرى ظل ينشد أبيات متفرقات من أبياتها حتى إذا أتى إلى الشطرة الاولى من بيت:
فمبلغ العلم فيه أنه بشر
فتوقف ولم يستطيع مواصلة الكتابة ، وظل على هذه الحالة أياما حتى رأى الرسول فى منامه فطلب منه تكملة البيت ،فسمع ( وأنه خير الخلق كلهم ) فاستيقظ وهو يرددها لتكتمل القصيدة فى 180 بيتا وتظل أعظم قصائد المديح النبوى ،وتحولت كلماته إلى لؤلؤ منثور فى كل بقاع الدنيا ، ملايين النسخ من القصيدة توزعت بين ربوع العالم الإسلامى قبل أن تتحول إلى تعاويذ وتمائم وأذكار للصباح والمساء ، هام بها أهل التصوف فشروحها ونظموا على نهجها وكتبوها على جدران المساجد وجعلوا منها أشكالاً وقسموها إلى تخميس وتسبيع ، وخصصوا أبياتاً منها للشفاء وجلب الرزق والحفظ من الشيطان
ولأن القصيدة التى تٌرجمت لكل لغات البشر مصرية المزاج فقد هاجمها ابن تيميه وخصص لها جماعته من أعداء المحبة وكارهى الحياة جيشا للنيل من شاعرها والهجوم عليه وتكفيره!، وماتوا .. وظلت القصيدة التى قيل ـ كما سبق ـ أن خير من يمشى على قدم شارك فى تكملتها عندما زار شاعرنا فى المنام وألقى عليه البردة ، وسيأتى الشاعر أحمد شوقى ليكتب البردة على نهج البوصيرى فى الوزن، لكن أجمل ما يمكن تقديمه الآن هو صوت الرجل الأسوانى الجميل (عبد العظيم العطوانى ) الذى جعل البردة تتدفق كجريان الماء فى عذوبة بالغة وأكسبها مزاجا مصريا رائقا فقد تفردّ رحمه الله بحفظها على طريقة التسبيع ـ وبقيت حالة استثنائية لملايين البشر الذين يتمايلون فى نغم رخيم ونفس واحد ..وقلب واحد، فرحمة الله عليهم جميعا .
مولاى صلى وسلم دائما أبداً
على حبيبك خير الخلق كلهم
الله يُذهب ما بالقلب من علل
و من سقام حشا الأحشاء من غلل
و من دموع جرحن الخد من بلل
بزورة لفريد حل فى حلـل
إن حلها مذنب أخلته من خلل
لولا الهوى لم ترق دمعا على طلل
و لا أرقت لذكرالبان والعلم
…….
مولاى صلى وسلم دائما أبداً
على حبيبك خير الخلق كلهم
الله لوع أحشائى بضارمـة
لا ينطفى حرها يوما بساجمة
و كم سألت و نفسى غيرسالمة
هل جاء فيح قبا منها بناسمة
أم من لواعج أشواق ملازمة
أم هبت الريح من تلقاء كاظمة
و أومض البرق فى الظلماء من إضم
مولاى صلى وسلم دائما أبداً
على حبيبك خير الخلق كلهم
الله يشهد أن الصب منكظـم
من الغرام وفى أحشائه ألــم
كأن فاه من الكتمان ملتجــم
و دمع عينيه من جفنيه منسجم
من حر نار لها في قلبه ضــرم
أيحسب الصب أن الحب منكتم
ما بين منسجم منه و مضطرم
البوصيرى بائية
بِمَدْحِ المصطفى تَحيا القلوبُ
وتُغْتَفَرُ الخطايا والذُّنُوبُ
وأرجو أن أعيشَ بهِ سعيداً
وألقاهُ وَليس عَلَيّ حُوبُ
نبي كامل الأوصافِ تمت
محاسنه فقيل له الحبيبُ
يُفَرِّجُ ذِكْرُهُ الكُرُباتِ عنا
إذا نَزَلَتْ بساحتنا الكروب
مدائحُه تَزِيدُ القَلْبَ شَوْقاً
إليه كأنها حَلْيٌ وَطيبُ
همزية البوصيرى
كيف ترقى رُقـيَّـك الأنبـياء
يا سماء ما طاولتها سماء
لم يساووك في علاك وقد حال
سناً منك دونهم وسناء
نما مثَّـلوا صفــاتك للنَّاس
كما مثَّـل النجوم الماء
أنت مصباح كل فضل فما تصدر
إلا عن ضوئك الأضواء
لك ذات العلوم من عالم
الغيــــــب و منـها لآدم الأســماء
لم تنزل في ضمائر الكون
تُختار لك الأمهات و الآباء
ما مضت فترة من الرسل إلا
بشَّرَتْ قومها بك الأنبياء
تتباهى بك العصور وتسمو
بك علياء بعـدها علياء
وبدا للوجـوه منك كريم
من كريم آبائه كـرمـاء
نسب تحسب العلا بحلاه
قَـلَّــدتها نجومــها الجوزاء
حبذا عقد سؤدد وفخار
أنت فيه اليتيمة العصماء
ومحيا كالشمس منك مضيء
أسفرت عنه ليلة غراء
ليلة المولد الذي كان
للديـــن سرور بيومه وازدهاء
ومحيا كالشمس منك مضيء
أسفرت عنه ليلة غراء
ليلة المولد الذي كان
للديــــن سرور بيومه وازدهاء
فتنزه في ذاته ومعانيــــه
استماعا إن عز منك اجتلاء
واملأ السمع من محاسن يمليهـــــا
عليك الإنشاد و الإنشاء
سيد ضحكه التبسم والمشــــــي
الهُوَيْنى ونومه الإغفاء
رحمة كله و حزم و عزم
ووقار و عصمة و حياء
مولاى صلى وسلم
نهج البردة
محمَّدٌ أشْرَفُ الأعْرابِ و العَجَم
مُحمدٌ خيرُ مَن يمْشِى على قدمِ
مُحمَّدٌ باسط المعروفِ جَامِعه
مُحمَّد صاحِب الإحْسَانِ و الكرَمِ
مُحمَّدٌ تاج رُسْل الله قاطِبةً
مُحمَّدٌ صادِقُ الأقوالِ و الكلِمِ
مُحمَّد ثابت الميثاق حافظُه
مُحمَّدٌ طَيِّبُ الأَخلاق و الشِّيَمِ
مُحمَّدٌ حَاكِم بالعَدْل ذو شرَفٍ
مُحمَّدٌ مَعْدِن الأنعام و الحِكم
مُحمَّدٌ خيْرُ رُسْل الله مِن مُضر
مُحمَّدٌ خيْرُ رُسْل اللهِ كُلِّهِمِ
مُحُمَّد دِينُه حَق ندِين بهِ
محمَّدٌ مُجْمِلاً حَقا على عَلَم
مُحمدٌ ذِكْرُهُ رَوْحٌ لأنفسنا
مُحمَّدٌ شكْرُهُ فرض على الأمَم
مُحمَّدٌ زينة الدنيا وبَهْجَتُها
مُحمَّدٌ كاشِفُ الغُمات و الظلَم
مُحمَّد سَيد طابتْ مَناقِبَه
مُحمَّدٌ صَاغه الرَّحْمَن بالنِّعم
مُحمَّدٌ صَفوة البَارى و خيرته
مُحمَّدٌ طاهِرُ مِن سَائِر التُهم
مُحمَّدٌ ضاحِكٌ للضَّيفِ مُكْرِمُهُ
مُحمَّدٌ جارُه و اللهِ لَمْ يُضَم
مُحمد طابت الدنيا ببعثه
مُحمَّدٌ جاءَ بالآيات و الحِكَم
مُحمدٌ يوم بعث الناس شافِعُنا
مُحمَّدٌ نورُهُ الهَادِى من الظُلَم
محمد قائِم لله ذو هِمَم
مُحمَّد خاَتِمٌ لِلرُسْل كلهم