أدهشتني ولاء جمال بكتابها عن سعاد حسني وكتبتُ عنه متصوراً أنها لن تستطيع إدهاشي مرة آخرى، وعندما أمسكت كتابها الجديد ( مبدعون على جناح الإنسانية ـ دار كنوز) لم استرح إلى العنوان فى البداية، وتصفحت الورق من غير ترتيب وتحول التصفح السريع إلى تقليب متأن وقراءة سريعة. ثم وجدتني مع الدكتور مصطفى محمود في شيخوخته يتحدث عن الحب لفتاة صغيرة مهووسة بالصحافة، فواصلت التقليب فى الفصول لأنتقل من دهشة الفتاة الصغيرة التي اقتحمت خلوة مصطفى محمود؛ إلى الصحفية ولاء جمال التي حصلت من الست فضيلة توفيق على قصة عجيبة فقدت فيها البصر وأصيبت بالعمى لمدة شهر كامل. ومن أبلة فضيلة إلى هدى ابنة الفريق محمد الليثي مؤسس الحرس الجمهوري في مصر ومعظم الدول العربية.
ومن كل ذلك إلى دهشة الصحفية الشاطرة التي وصلت إلى العائلة التي استضافت السيدة أم كلثوم فى بداية مشوارها قادمة من طماي الزهايرة إلى القاهرة. ومن خلال حديث ممتع وممتد مع (أحمد كامل زين العابدين) نجحت ولاء جمال في الكشف عن مرحلة مهمة في تاريخ أم كلثوم، وقد أمدّها الرجل الشيك الذي يحتفظ بمجد العائلة بعدد وافر من الصور التي جمعت سيدة الغناء العربى بأفراد وسيدات تلك العائلة المصرية العريقة التي حفظت لها أم كلثوم الجميل حتى آخر العمر.
ورغم متعة هذا الفصل من الكتاب إلا أن فصلاً آخر يكشف عن تفاصيل جديدة في حياة أم كلثوم أيضا، وهو عبارة عن حوار ممتد مع المهندس (توحيد رامي) الذي يقدم لولاء جمال تفاصيل جديدة عن طبيعة علاقة عائلة رامى بالسيدة أم كلثوم. فهي ليست تلك التي تم اختصارها في علاقة الحب الأسطوري بين ثومة ورامي؛ في حين كانت القصة أكبر من تلك الأسطورة بكل خيالها. يقول المهندس توحيد في أول مفاجآته إن (عماته هنّ اللاتي علّموها الحياة القاهرية، وكيف ترتدي الملابس العصرية، وكيف تتصرف كفتاة قاهرية. فأم كلثوم كانت تقضي أوقاتا كثيرة من حياتها في منزل العائلة، حيث إن والدي تفرغ لأم كلثوم 12 سنة قبل أن يتزوج وظلت تأتي له البيت حتى تزوج).
كانت أم كلثوم التي شاهدها رامي سنة 1924 لاول مرة فتاة ذات عقال ـ كما يقول المهندس توحيد ـ تغني وتبكي؛ وكان رامي شابا شاعرا متدفق المشاعر، شجي الحس. وكطبع الحب دائما يبدا بعطف من الرجل وينتهي بعطف من المرأة. بدأ حب رامي لأم كلثوم وبدأت أغانيه لها وللغناء المصري الجديد. ويقال أن رامي علم أم كلثوم اللغة الفرنسية ولكن ابنه المهندس توحيد له رأي اخر؛ حيث يقول أشك انه علمها اللغة الفرنسية هو علّمها الأدب العربي والشعر، ولا أعتقد انها كانت تتحدث الفرنسية ولا الإنجليزية. إنما بما انه كان يعمل في دار الكتب، فكان يوم اجازته يذهب إليها وينصحها بقراءة كتب بعينها في الأدب والشعر. فقد علمها اللغة العربية أكثر من الفرنسية. وبالدخول إلى المنطقة الأكثر حساسية تسأله ولاء جمال عن طبيعة علاقة والدته بالسيدة أم كلثوم؟!
فيوضح الأمر قائلاً : (أمي كانت أصغر من أم كلثوم بكثير فالفرق بين والدي ووالدتي 22 سنة، فهو مولود سنة 1892، وهي مولودة سنة 1914 ؛ لكنها شعرت إن أم كلثوم هذه جزء مهم في حياة رامي كملهمه في الشعر.. فهذه السيدة تستحق أن يوضع لها تمثال)، ويؤكد إن والدته لم تشعر يوماً بالغيرة من أم كلثوم، وكانت تجيب الصحافة دائما بقولها (إن كان رامي يحب أم كلثوم فأنا كمان باحب أم كلثوم).
وبروح مرحة يحكى المهندس توحيد 🙁 ..ذات يوم قلت لأمي سأريك حديقة زوجك، فرفضت تشاهدها!! قلت لها علي فكرة هناك حديقة أيضا باسم أم كلثوم. سرنا بالسيارة حوالي كيلو متر وذهبنا لحديقة أم كلثوم، فقالت: ولماذا لا يضعون الحديقتين إلي جوار بعضهما البعض ؟! ويختتم توحيد كلامه : أمي كانت ملكة جمال، وممن يضرب بهن المثل في الجمال، فهى ملكة عائلتها من المنصورة .
مبدعون على جناح الإنسانية ـ ولاء جمال- دار كنوز