لا أعرف الدكتور فوزي الشامي إلا بمنصبه كعميد سابق للمعهد العالي للموسيقى (1997ـ2003)، لكنني كنت أجهل جوانب متعددة عنه، أولها أن هذا الرجل المصري لديه جمعية صغيرة تصنع ما تعجز عنه مؤسسات كبرى وهي جمعية “الشباب الموسيقى المصري” التى أقامت سلسلة احتفالات بمناسبة مرور مائتين عام على ميلاد شوبان وجعلت من الاحتفاء بهذا الفنان العالمي حدثا كبيراً ينشر الوعي الموسيقي. فأقامت مسابقة لعزف مقطوعاته ودعت إليها عدد كبيرمن المحترفين والهواة من كافة الأعمار. وأعلنت الجمعية منذ 2010 عن ورش مفتوحة لكل عازفي البيانو؛ وبعد عشر سنوات بالتحديد 2020 أقامت جمعية “الشباب الموسيقى المصري” احتفالية كبرى بدار الأوبرا شارك فيها جميع الفائزين في مسابقة شوبان على مدار هذه السنوات العشر.
كل هذه المعلومات عن تلك الجمعية قرأتها فى آخر فصل من كتاب فوزي الشامي (شوبان على ضفاف النيل) ص
حيح أن الكتاب مفاجأة كبرى من حيث كم المعلومات عن تاريخ البيانو فى مصر ودور الجالية الأرمينية والإيطالية فى الحياة الثقافية والفنية المصرية إلى جانب رشاقة الأسلوب وتدقيق المعلومة؛ إلا أن وجود جمعية مصرية للموسيقى تعتمد على الجهد الذاتي وتسعى للبحث عن رعاة لتقديم هذه المسابقات العظيمة فهذا ما يستوجب اهتمام وزير الثقافة المصري لدعم تلك الجهود التي جعلت مسابقة صغيرة تصنع كل هذا في فترة قصيرة لتتحول إلى مسابقة دولية.
فقد تحدث الدكتور فوزي الشامي عن محاولات البحث عن شريك يدعم فكرة المسابقة ويساند هذا المشروع ليس لإحياء مسيرة شوبان الموسيقية فقط؛ ولكن لإعادة الاعتبار للعازفين المصريين الذين جعلوا لأعمال شوبان وجودا على ضفاف النيل. فلم تجد داعما سوى سفارة جمهورية بولندا في القاهرة على اعتبار أن شوبان بولندي والمسابقة ستحمل اسمه. ورحب السيد السفير آنذاك (بيوتر بوختا) وظل الدعم مستمراً منذ 2010 وحتى 2018، ولم يذكر فوزي الشامي معلومات عن جهات داعمة آخرى منذ هذا التاريخ.
لم تتوقف مفاجآت فوزى الشامى عند اكتشافي لجمعية الشباب الموسيقي المصري التي تحتفل بشوبان وتبحث عن مواهب في عزف البيانو؛ لكنها امتدت إلى طريقته في سرد المعلومات. فكثير من الأكاديميين يقدمون أعمالاً عن الموسيقى وتاريخها، لكن ليس بهذه الرشاقة والابتعاد قدر الإمكان عن حشر المصطلحات الأجنبية وتبسيط المعلومة. كما فاجأني بثقافته الواسعة، فهو ليس مجرد أستاذ بأكاديمية الفنون وليس مجرد أحد عمداء الكونسرفتوار (1997ـ2003). لكنه شخصية عالمية تستحق حضورا وتواجدا واهتماما من الدولة، فهو أستاذ زائر فى اليونان ودمشق والكويت وحاصل على دكتوراه الفلسفة من جامعة ماربورج بألمانيا. ومؤسس أوركسترا الشباب العربي ومسابقة شوبان الدولية للبيانو، وعمل فى خدمة وطنه ونال شرف الجندية وحصل على درع هيئة التنظيم والإدارة للقوات المسلحة. كما نجح بجهود فردية فى عقد اتفاقية تعاون بين كونسرفاتوار القاهرة ومثيله في الصين. بالاضافة لكونه عضوا في لجان منح الجوائز فى مصر والكويت.
فاجأنى الدكتور فوزي الشامي بهذا الكتاب الممتع (شوبان على ضفاف النيل) ليس فقط في تسجيل وتوثيق هذا التراث الفني المصري؛ ولكن فاجأني بوجود تلك الجمعية التي تستحق اهتمام وزارة الثقافة وتسليط الضوء عليها كطريق للنور والموسيقى وسط هذا الظلام الذى نعيش فيه عصر تحريم الفنون بكل جبروته.
ولاشك أن المقدمة التي كتبها رمزي يسى كانت من المفاجآت الجميلة في الكتاب الذي يكتب سيرة دخول البيانو إلى مصر. وكانت السيدة والدته أولجا يسى واحدة من هذا الجيل العظيم بجوار مارسيل متى وعائشة حمدي، فقد كانت السيدة أولجا مربية تقوم بإعداد وتربية النشء فى تخصص البيانو، ولم يكن غريبا أن يكون رمزي يسى واحداً من أهم عازفي البيانو المصريين المعروفين في مصر وخارجها. وليس غريبا أن يكون هو الآخر مولع بشوبان وعضو لجنة تحكيم في مسابقة جمعية الشباب الموسيقي المصري مع عدد من الفنانين الكبار (طارق شرارة، هاني الشبروايشي، مشيرة عيسى، آمال الشاهد، حنان رشدي، باول فاكاريتشى، ماريولا تشينيافا جريجور فيدوفيتش).
بقي أن أشيد بتواضع الدكتور فوزي الشامي وهو يقدم الأجيال الجديدة ويفخر بأن كل هؤلاء درسوا في المعهد العالي للموسيقى الكونسرفتوار وحققوا نجاحا في الخارج ومنهم (محمد شمس، وائل فاروق، ورمزي يسى بالطبع).
والكتاب الصغير الحجم الجيد الطباعة صدر عن الهيئة العامة للكتاب ولو كنت من رئيسها الدكتور أحمد البهي لاتصلت بوزير التعليم وأرسلت إليه نسخة من هذا الكتاب للنظر في إمكانية تدريس بعض ما جاء به على طلاب المدارس الابتدائية. ليس للغرام بالسيد شوبان في حد ذاته؛ ولكن تخليدا وتكريما لعشرات من عازفي البيانو المصريين الذين نجهلهم ولا نعرف أدوارهم .
إقراء أيضا