عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سافر سفرا، فنذرتْ جارية من قريش لئن رده الله تعالى؛ أن تضرب في بيت عائشة بدف، فلما رجع الرسول الكريم، جاءت الجارية تريد أن تفي بنذرها وأن تبر بوعدها. فذهبت عائشة رضي الله عنها لرسول الله تخبره، فقالت: فلانة ابنة فلان نذرت لئن ردك الله تعالى أن تضرب في بيتي بدف فقال لها، “فلتضرب”.
فلو أن الضرب بالدف ـ وهو آلة من الآلات الموسيقية ـ غير مباح لمّا قبلّ النبي أن يُضرب في بيته، وما كان النبي ليرضى بإرتكاب المحرم ليفي الناس بنذورهم وهو القائل “لا نذر في معصية الله”.
هكذا تدخل الدكتورة سهير عبد العظيم إلى فصلها القصير عن الأحاديث الصحيحة التى أباحت سماع الموسيقى والغناء، وقبل أن تورد باقي الأحاديث الشريفة الصحيحة التي تبيح الغناء؛ تمهد الأرض للفترة التي سبقت ذلك، فبعد أن انتشرت الدعوة الإسلامية كثرت التساؤلات عما إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم سيحرم عليهم السماع وهو الشئ المحبب إلى نفوسهم منذ جاهليتهم أم أن الإسلام سيجد لهذه الأمور حلولاً مرضية تبقي للعرب قرض الشعر وسماع الموسيقى والغناء.
لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم مؤمناً برسالته قوياً في عزيمته حكيماً في تصرفه عليماً بحب الأنصار للسماع فلم يشأ أن يكدر عليهم صفوهم وسمح لهم بالسماع.
أن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحقيقة السمحة إلى الكافة وقال تعالى “ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلۡأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُۥ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ يَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَىٰهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ”، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة وأمر ونهي بالشرع؟! فليس لأحد بعده وبعد الخلفاء الراشدين الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم واتباع سنتهم؛ أن ُيحرم ما أحل الله عز وجل ورسوله إلا بدليل ناطق من آية محكمة، أو سنة قاضية صحيحة، أو إجماع من الأئمة. وأما الاستدلال بالموضوعات والغرائب والأفراد على روايتهم من المكذبين والمجروحين الذين لا تقوم بروايتهم حجة، وبأقاويل قالها من فسروا القرآن على حسب مرادهم ورأيهم فلا يعتد بقولهم ولا يسلك طريقهم. وإنما يلتزم المسلمون بالأقوال المؤيدة بالوحي الذى جاء به الكتاب أو ورد في السنة وقال تعالى: “وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا”. صدق الله العظيم
ومن الأحاديث التى تبيح الغناء روايتان نسبتا للرسول صلى الله عليه وسلم: “ما بعث الله نبيا إلا حسن الصوت”، “والله أشد أذنا للرجل الحسن الصوت من صاحب القينة لقينته”.

“وعن أنس بن مالك (المتوفى عام 715) أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان يُحدَى له في السفر” وهناك حديث عن سماعه صوت قينة أو جارية وهو مار بمنزل حسان بن ثابت فسأله الشاعر هل في الغناء إثم؟ فأجاب الرسول صلى الله عليه وسلم: لا، لا. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ، يَجْهَرُ بِهِ”. ومعنى هذا الحديث الشريف هو الحث على الغناء، كما أن الملائكة في أصواتهم الملائكية الشجية ترتل صوتها للمولى ترتيلا حسنا جميلا فيستمع الله عز وجل إلى تلك الأصوات التي لا يمكن أن يماثلها صوت من العالمين.
نصل بذلك إلى نتيجة من الأهمية بمكان كبير هي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رتل القرآن بنفسه فتلاه بصوته الحسن مجوداً، وقديماً تغنى النبي العظيم داود عليه السلام بمزاميره. وقد قال نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم أثناء مدحه لداود “إنه كان حسن الصوت في قراءة الزبور، حيث وصفه الله تعالى في الآية الكريمة: “ولقد آتينا داوود منا فضلاً يا جبال أوبي معه والطير وألّنا له الحديد”.
ويقول المفسرون إن المراد من الآية “يزيد في الخلق ما يشاء” هو الصوت الحسن ويستندون على معنى الآية: “قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده”.