يحكي الناقد الكبير كمال النجمي أن بعض الناس كانت تتساءل في شهر رمضان من كل عام هل يفي مطربنا محمدعبد الوهاب بوعده فيصعد مئذنة مسجد الحسين، أو مئذنة مسجد الشعرانى،ويرفع صوته – من خلال الميكروفون – مؤذنا لصلاة المغرب أو صلاة الفجر؟!.
ولم يكن ذلك غريبا ولا مستهجنا في ذلك الوقت كما سنعرف من مقال النجمي الذي ستجده في هذا الملف.
المهم أن ثلاثينات القرن الماضي شهدت ظاهرة مصرية عجيبة، إذ كان الأذان يتلى عند الفجر في مسجد الإمام الحسين كل يوم بنغمة خاصة! وتحول الموضوع إلى ظاهرة ترصدها الدكتورة سهير عبد العظيم في كتابها الممتع الموسيقى في الإسلام وتقول إن كثير من المطربين وضع تقاليد موسيقية للأذان، وقد ترسخت الظاهرة لدرجة أنه تم تحديد أيام يتلى فيها الأذان بنغمة محددة. وعرف جمهور مسجد سيدنا الحسين أن نغمة يوم السبت هي “عشاق” ويوم الأحد “حجاز”، أما يوم الإثنين فنغمته “سيكاه” (إذا كان أول يوم إثنين في الشهر)، بياتي (إذا كان ثاني اثنين)، حجاز (إذا كان ثالث اثنين في الشهر) “شورى” على الجهاركاه (إذا كان رابع أو خامس اثنين في الشهر. ثم يعود يوم الثلاثاء لمقام “سيكاه” والأربعاء “جهاركاه” والخميس “راست” والجمعة “بياتي”، وهذا يتطلب دقة ومهارة فائقتين لمن يأنس في نفسه استعداداً إليهما.
عموما، ذهب هذا العصر وذهبت حكايته الممتعة، ونعود إلى قصة الأذان وكيف بدأ. فحين قدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كان يجتمع الناس إليه للصلاة في مواقيتها بغير دعوة، أو كان ينادي مناديه: “الصلاة جامعة”، فيجتمع الناس، فلمّا عُرفت القبلة، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأذان، وقد اهتم بالأمر فأراد أن يتخذ خشبتين يضرب بهما ليجتمع الناس للصلاة. أو أن يجعل كبوق اليهود الذي يدعون به لصلاتهم، أو اقترح بعض المسلمين ذلك ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كرهه وأمر بإعداد ناقوس مثل ناقوس النصارى ولكن ذلك لم يبق طويلاً.
ثم رأى أحد المسلمين وهو عبد الله بن زيد الخزرجي في المنام أن رجلاً عليه ثوبان أخضران وفي يده ناقوس. فقال عبد الله: أتبيع الناقوس؟ فقال: ماذا تريد به؟ فقال عبد الله: أريد أن ابتاعه لكي أضرب به للصلاة لجماعة الناس. فقال: أنا أحدثك بخير لكم من ذلك، تقول: الله أكبر، الله أكبر… (إلى آخر الأذان بصيغته المتواترة المعروفة) فأتى عبد الله ابن زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال قم مع بلال فألق عليه ما قيل لك، وليؤذن بذلك ..ففعل.
وفي رواية أخرى:
أن عمر بن الخطاب هو الذي قال: أولاً تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة؟
قال رسول الله : يا بلال قم فناد بالصلاة.
وأصل الأذان بمعناه الاصطلاحي، ثابت بالقرآن:
“وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزواً ولعباً”.
“يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله”.
ومن المعلوم من الدين بالضرورة أن الأذان مأمور به:
قال النبي (صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث وصاحبه: إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكما وليؤمكما أكبركما).
وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان بالمدينة هما بلال، وابن أم مكتوم، وكان أبو محذورة مؤذنه بمكة.
للمزيد