لم تشهد مسألة فقهية قدر ما شهدته قضية السماع والغناء والموسيقى من جدل حتى استقر الإجماع على الإباحة؛ وظل هناك متشددون متمسكون بنص يقبل التأويل وفسروا كلمة (اللغو) على أن المقصود بها الغناء!. بينما اختلفوا فيما بينهم على المقصود منها تحديدا.
فسرّ الفقهاء هذه الكلمات نفسها في تلك الآيات بما يخالف معنى الغناء بأغلبية ساحقة، فاتفق الكثير منهم على أن “اللغو” هو “الحلف الكاذب”، وفسره البعض أنه الشتم والأذى!.
بينما تمسك البعض من هؤلاء بكلمة قالها سيدنا عثمان بن عفان حيث قال: “ما تغنيت قط” ولم يكن يقصد سوى القول بأنه لم يتغن.ومن أدلة أصحاب مذهب التحريم عن طريق الأحاديث النبوية بعض أحاديث ضعيفة مطعون في رواياتها،كما تؤكد الدكتورة سهير عبد العظيم في كتابها (الموسيقى في الإسلام)، حيث تستعرض الأدلة التى استند إليها فريق التحريم وهي الآيات القرآنية فى قوله تعالى :
“قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (٢) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ”.
“وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا”.
“وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ”.
“ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين”.
“وإذا رَأوْا تِجارَةً أوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إلَيْها وتَرَكُوكَ قائِمًا”.
وقد فسروا الكلمات “اللغو” و”لهو الحديث” بمعنى الغناء فقالوا إنه هو المقصود في كل آية. واستناد هؤلاء عن طريق التفسير الذي يتيح لكل مفسر أن يفسر وفق اجتهاده؛ استنادًا فيه شئ من العنت، ومن اليسر أن أدحض حجتهم هذه من بابها أي من باب التفسير أيضاً، فقد فسر الكثيرون من علماء الإسلام، وأفاضل الفقهاء هذه الكلمات نفسها في تلك الآيات بما يخالف معنى الغناء بأغلبية ساحقة، فاتفق الكثير منهم على أن “اللغو” هو “الحلف الكاذب”، وفسره البعض أنه الشتم والأذى، وشرح أغلبية المفسرين الباقين هذه الكلمة بأنها “ما لا يحل من القول والفعل وما لا فائدة فيه مطلقاً” وفسرت كلمة “لهو الحديث” بما يخالف المعنى القائل إنها بمعنى “الغناء” وهى المخالفة بأغلبية كبيرة أيضاً.
أما في الآية الأخيرةـ تقول سهير عبد العظيم ـ فإن الله عز وجل عطف اللهو على التجارة، وحكم المعطوف حكم ما عطف عليه. والاجماع بتحليل التجارة فثبت أن هذا الحكم مما أقره الشرع بما كان عليه في الجاهلية لأنه غير محتمل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمه. وعلى هذا ينسحب حكم التجارة على ما بعده، ولا يجوز التسليم المطلق برأى دعاة التحريم استناداً إلى ما ذكروا من تفسير يحتمل الصواب والخطأ.
ومن أدلة أصحاب مذهب التحريم عن طريق الأحاديث النبوية بعض أحاديث ضعيفة مطعون في رواياتها وعندها، منها على سبيل المثال ما نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “لعن الله النائحة والمسمعة والمغني والمغنى له” وهو حديث رواه عمرو بن يزيد المدائني عن الحسن البصري عن أبي هريرة . وعمرو هذا منكر الحديث، والحسن البصرى لم يسمع من أبي هريرة شيئا، وقال ابن عدي هذا حديث غير محفوظ وإذا كان قد روي عن بعض الصالحين أنه يكره الغناء والموسيقى فليس ذلك دليلاً على التحريم .
ولا ننكر بجانب استناد أصحاب مذهب التحريم على ما تكلمت عنه من الآيات والأحاديث أنه قد نسب إلى بعض الصحابة والتابعين أنهم ذهبوا إلى تحريم الغناء على أنه “لهو يشبه الباطل”.
كما تمسك البعض من هؤلاء بكلمة قالها سيدنا عثمان بن عفان حيث قال: “ما تغنيت قط” فلا يمكن بحال من الأحوال أن يعد من المحرمات ما قيل عنه إنه مكروه فالمكروه غير المحرم ،والمفهوم من كلمة سيدنا عثمان أنه لم يشتغل بالغناء إذ يكره ذلك لأنه لا يجيد الغناء، ولأنه ممن يبذلون في العبادة والتنسك،فليس لمثل عثمان بن عفان وهو الزاهد ألا يشغل نفسه بشئ غير عبادته