اتفق بعض الفقهاء على إباحة السماع في إثارة الشوق إلى الله ورسوله، وفي تحريض الجيوش على القتا، وفي مناسبات السرور المألوفة كالعيد والعرس وما إليها، وكان من قول القائلين بالحل “أنه ليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا في معقولهما من القياس والاستدلال، ما يقضي بتحريم مجرد سماع الأصوات الطيبة الموزونة مع آلة من الآلات”.
رأي الإمام الغزالي:
يتحدث الغزالس عن سر الله تعالى في مناسبة النغمات للأرواح حتى إنها تؤثر فيها تأثيراً عجيباً فمن الأصوات ما يفرح ومنها ما يحزن ومنها ما يطرب وهكذا. وأن التصوف عند المسلمين لأكبر بيان لأثر الموسيقى في إبراز الشعور الديني وقدرتها الفذة في السمو بالإنسانية إلى آفاق النشوة الروحية.
ولقد أدرك الصفوية على اختلاف مذاهبهم تلك القوى وعرفوا كيف تحرك الموسيقى كوامن النفس الإنسانية وكيف تسمو بها فوق الأمور المادية إلى عالم روحاني متسع الأفاق ولذلك أتقنها المتصوفة وجعلوا فيها غذاء الروح، وعن طريق النشوة التي تحدث بالسماع تصب نفوسهم إلى القرب من الله.
والغزالي من أعمق من تصدى للبحث في الموسيقى وبأثرها في نفوس الصوفية فالموسيقى لغة التعبير والتجاوب النفسي والتسامي العاطفي فهي لذلك أقرب الفنون جميعاً وأنسبها لتهيئة النفس لجو الروحانية الدينية، ولعل في ذلك ما يفسر لنا تلك الصلة الوثيقة بين الدين والموسيقى على مر العصور واختلاف المذاهب.
الشيخ النابلسي:
هو الشيخ عبد الغني النابلسي الحفني أحد فقهاء القرن الحادي عشر المعروفين بالورع والتقوى وصاحب رسالة هي “إيضاح الدلالات في سماع الآلات” قرر فيها أن الأحاديث التي استدل بها القائلون بالتحريم ، على فرض صحتها – مقيدة بذكر الملاهي ، وبذكر الخمر والقينات ، والفسوق والفجور ، ولا يكاد حديث يخلو من ذلك. وعليه كان الحكم عنده في سماع الأصوات والآلات المطربة أنه إذا اقترن بشئ من المحرمات، أو اتخذ وسيلة للمحرمات ، أو أوقع في المحرمات كان حراما، وأنه إذ سلم من كل ذلك كان مباحا في حضوره وسماعه وتعلمه. وقد نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم عدد كثير من الصحابة والتابعين والأئمة والفقهاء أنهم كانوا يسمعون ويحضرون مجالس السماع البريئة من المجون والمحرم، وذهب إلى مثل هذا كثير من الفقهاء وهو يوافق تماما في المغزى والنتيجة الأصل الذي قرره في موقف الشريعة بالنسبة للغرائز الطبيعية .
ولم يجمع العلماء على شئ فيها كما أجمعوا على الخمر والميسر والأنصاب والأزلام فهي مسألة تتصل بمبدأ “جلب المنفعة ودفع المفسدة” .
ولع الشيخ العطار بالسماع:
كان الشيخ حسن العطار – شيخ الجامع الأزهر في القرن الثالث عشر الهجري له ولع شديد بالسماع وعلى معرفة تامة بأصوله ، ومن كلماته في بعض مؤلفاته “من لم يتأثر برقيق الأشعار حين تتلى بلسان الأوتار ، على شطوط الأنهار، في ظلال الأشجار، فذلك جلف الطبع حمار”.
الشيخ محمود شلتوت:
يرى الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت أن سماع الآلة ذات النغمات أو الأصوات الجميلة لا يمكن أن يحرم باعتباره صوت آلة ، أو صوت إنسان أو صوت حيوان، وإنما يحرم إذا استعين به على محرم ، او اتخذ وسيلة إلى محرم ، أو ألهى عن واجب ويجب أن يعلم الناس حكم الله في مثل هذه الشئون، وألا نسمع القول يلقى جزافا في التحليل والتحريم ، فإن تحريم ما لم يحرمه الله او تحليل ما حرمه الله كلاهما افتراء وقول على الله بغير علم “قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون”.
الشيخ محمود النواوي:
يقول الشيخ محمود النواوي أن له في الموسيقى والغناء مذهبا يتفق مع حاجة العصر ومقتضى التقدم ومسايرة الإسلام لكل زمان ومكان .
والموسيقى والغناء معا حلال في الإسلام مباحة من زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ولم يثبت فيها نص صريح يقضي بحرمتها .
وقد سئل فضيلة الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود عن رأيه في مشاهدة الأفلام السينمائية والمسرحيات فأجاب فضيلته ، وقد أحق تماما ، إن إجابته سينصت لها العالم الإسلامي في المشرق والمغرب وسوف يتفحصها غير المسلمين ليقيسوا حضارة ذلك الدين الذي يوصف بالسماحة والصلاحية لكل زمان ومكان، فقال السينما والمسرح أدوات لنشر الثقافة والقيم ، ولكنها عندما تخضع لثقافة وقيم غير إسلامية يصبح موقفنا منها كموقفنا من أي فكر يأمرنا الإسلام بتغييره ومن هنا فإني انتظر الوقت الذى تخضع فيه للقيم الإسلامية لكي أفكر في ارتيادها والدعوة لها.
وتلك إجابة مانعة جامعة تليق حقا بأن تصدر من أمامنا الجليل حيث وضعت الفنون في مكانها الحقيقي من الدعوة والحضارة الإسلامية .
ونستنبط من ذلك أن الأشياء ليست حراما في ذاتها وإنما بما تربط به من صور المجون والفساد فإذا خلت من ذلك وسارت على القوانين الشرعية كانت أمراً مقبولاً.