لوحات هند نعمان
في شوارع شيكاغو حيث تصطخب الحياة بتناقضاتها، وُلدت جويندولين بروكس 1917- 2000 كـ«ساحرة كلمات» استطاعت أن تحوِّل تفاصيل الحياة اليومية للأفارقة الأمريكيين إلى قصائد تُقرأ كسجلاَّت تاريخية. كانت الأولى من عرقها التي تنال جائزة بوليتزر للشعر (1950)، لكنَّ مجدها الحقيقي كان في كونها «المرأة التي جعلت البسطاء أبطالًا»، كما قالت عنها الشاعرة مايا أنجيلو.
وُلدت بروكس في حيٍّ فقير في كينساس في أمريكا؛ يموج بالصراعات العرقية، حيث كانت تُسمع أصوات القادمين من الجنوب الأمريكي بحثًا عن حلمٍ مُختلف. في بيتٍ تعلو رفوفه الكتب رغم الفقر، بدأت تكتب الشعر في السابعة. أمُّها، المُعلِّمة التي رأت في ابنتها شرارة عبقرية، شجعتها بقولها: «ستكونين سيدة الأدب العظيمة». لم تكن تعلم أن تنبؤها سيصير حقيقةً حين تخطت بروكس حواجز العنصرية لتُصبح أيقونةً أدبية.
مع انخراطها في حركة الحقوق المدنية في الستينيات، تحوَّلت بروكس من الشعر المقفي إلى كتابة قصيدة النثر الحرة، مُعلنةً: «أريد لقصيدتي أن تكون سلاحًا وضميرًا». في ديوان «التمرد» (1968)، تخلت عن الناشرين البيض لتتبنى دور النشر السوداء، مؤكدةً أن الفنَّ الأسود يجب أن يُدار بأيدٍ سوداء. ولم تكتفِ بروكس بكتابة الشعر، بل حوَّلت منزلها إلى صالونٍ أدبي لشباب المهمشين. كانت تقول: «القصيدة ليست كلماتٍ على ورق، بل فعل مقاومة». حتى اليوم، تُدرَّس أعمالها في الجامعات كجسرٍ بين الأدب الكلاسيكي والثقافة الحضرية الحديثة. في زمن #حياة_السود_مهمة، تبدو قصائدها كنداءٍ من الماضي: «انظروا إلينا، نحن هنا، نحن الجميلة والمنتفضة».
ثلاث قصائد ل جويندلون بروكس
………
أن تَقَعَ في الحُبِّ
(To Be in Love)
أن تَقَعَ في الحُبِّ،
يعني أن تَلمَسَ بِيَدٍ أخَفَّ.
يعني أن تَشعُرَ بالبَرَاحِ داخِلَكَ
وأنَّكَ بِخَير.
أن تَرَى الأشّيَاءَ بِعينَيهِ.
الكَاردِينَال أحمَرُ.
السَّمَاءُ زَرقَاءُ.
فَجأةً تَعرِفُ أنَّهُ يَعرِفُ أيضًا.
إنَّهُ ليسَ هُنَاكَ لكَنَّكَ تَعرِفُ أنَّكُما تَشعُرَانِ معًا،
بالطَّقسِ الشِّتوِيِّ
والرَّبِيِعِيِّ النَّقيَّ.
أن تَأخُذَ يَديه بِيَدَيكَ،
هذا أكَبَرُ من أن تَتَحَمَلَهُ.
لا يُمكِنُكَ أن تَنظُرَ في عَينَيهِ
لأنَ نَبضَكَ لا يَنبَغِي أن يَبُوحَ
بما لا يَنبَغِي أن يُبَاح بهِ.
عِندَما يَغلقُ بَابًا،
وأنتَ لَستَ مَعهُ
تَصِيرُ ذِرَاعَاكَ كالمَاءِ.
وتَصِيرُ حُرَّا
حُرِّيَةً بِرَوحٍ عَاتِيَةٍ.
أنت الجُزءُ الأجمَلُ
من جَرحٍ ذَهَبيٍّ.
تَتَذَكَّرُ وتَتُوقُ إلى
لمسِ فَمِهِ
والهَمسِ فيهِ.
آه عِندَمَا يُعلِنُهَا،
هذا هو المَوتُ المَحتُومُ.
آه عِندَمَا ينطَقُها
سأُفتَنُ.
حينها سأرى تَسَاقُطَ عَمُودِ
الذَّهَبِ في رمَادٍ مُنتَشرٍ.
عرضٌ مَجهُولٌ.
الحقيقةُ (Truth)
وإذا طَلَعتِ الشَّمسُ
فكيف نُرَحِّب بِها؟
أفلا نَهَابُهَا؟
أفلا نَرّتَعِدُ مِنها خَوفًا
بَعد كُل هذه الجَلسَةِ الطَّويلةِ
مع الظِّلِّ؟
بِرغمِ بُكَائَنا عليها،
بِرغمِ صَلوَاتِنَا،
طَوَال سَنَوات الَّليلِ.
مَاذَا لو استَيقَظنَا
ذات صَبَاحٍ مُتَلأليءٍ
على صَوتِ طَرْقٍ مُبرِحٍ
من مَفَاصِلِ أصَابِعهَا العَتِّيةِ بِقَسوَةٍ على البَابِ؟
أفلا نَرتَجِفُ؟
أفلا نَفِرُّ
إلى مَأوَى
مَأوَى سَمِيكٌ أعَزُّ
من ضَبَابٍ رائِعٍ
مَألُوفٍ؟
كم هو أخَّاذٌ، كم هو أخَّاذٌ
النَّومُ في بِرُودَةِ الغَفلَةِ الحَمِيمِيةِ.
يُخَيِّمُ الظَّلامُ بِقُوَّةٍ
على العُيُونِ.
رجلٌ حُرٌّ (Independent Man)
والآنَ من يَستَطيِعُ أخذَكَ إلى حَيَاةٍ صَغِيرةٍ
ويَحبِسُكَ بِسدَّادةٍ من “فِلِّين”
بِذَكَاءٍ،
في غُرفَةٍ واحِدَةٍ ،
أو في غُرفَتَينِ أو في ثَلاثٍ ،
كقَارُورَةِ نَبِيذٍ.
أنتَ؟ لن تَسمَحَ لأيِّ امرَأةٍ
أو أيِّ زَوجَةٍ بِغِوايَتِكَ
أو الإنشَاد لها إنشَادًا بَهِيجًا.
أو تَعرِضَ يَاقُوتَتَكَ الوثَّابةَ
على صَدِيِقِكَ.
بِرَغمِ أنَّ الغِوَايةَ سَتَكُونُ ودِيِعَةً لعَدمِ وُجُودِ سَدَّادةِ الفِلَّينِ
هل سَتَسمَحُ بِذَلكَ
لأنَّكَ أصبَحتَ حُرًّا جِدًّا.
فَمِن الحِكمَةِ أن تُفكِّرَ المرأةُ جَيدًا
إذا شَرَعَتْ في رَنِّ الجَرَسِ
مَرَّةً واحِدَةً في الأُسبُوعِ
ثقب المفتاح لا يرى – ترجمة سارة حامد حواس – بيت الحكمة